الجمعة 29 مارس 2024
الرئيسية - كتابات - أميركا وإيران... ثمّة حرب
أميركا وإيران... ثمّة حرب
ايران وامريكا
الساعة 08:28 مساءً
إياد الدليمي عاليا، ترتفع نبرة التصريحات التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضد إيران، حتى وصل الأمر إلى اتهام طهران من وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، بأنها دولة راعية للإرهاب، في وقتٍ لم يدّخر ترامب فرصةً يجلس فيها قبالة الطائر الأزرق، حتى يطلق تغريدةً يحذر فيها إيران من أنه لن يكون لطيفا معها مثل سلفه باراك أوباما. وعلى ذكر أوباما، تحتاج حقبته إلى التوقف عندها قليلا، فلم يسبق أن حظي رئيس أميركي بمثل الترحيب العربي والإسلامي الذي حظي به أوباما عند وصوله إلى بوابة البيت الأبيض، حتى ظن بعضهم أن هذا الرئيس سوف يعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، ليس في العراق أو أفغانستان وحسب، وإنما حتى فلسطين السليبة، قبل أن يكتشف الجميع أن أوباما لم يكن سوى سراب، رسمته ريشة عمالقة الاستراتيجيا الأميركية لتوهم العرب والمسلمين، بينما هو لم ينفذ منه إلا ما كان مطلوبا منه، وأول تلك الأشياء الانسحاب من العراق الذي كلف أميركا ثلاثة تريليونات دولار، ناهيك عن الكلفة البشرية، قبل أن يواصل أوباما مسلسل تسليم المنطقة لإيران. سيأتي ترامب أيضا لينفذ ما تريده منه إدارة أميركا ومخططو سياساتها القريبة والبعيدة، ولعل أول تلك الأشياء تقليم أظافر النمر الإيراني الذي ما كان له أن يكبر لولا الدلال الأميركي، وهذا التقليم هو حاجة أميركية قبل أن يكون حاجة عربية، فإيران كانت كمّاشة نار، لعبت بها وقادتها أميركا لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، ويبدو أن دورها حان للتخلص منها، أو ربما فقط لإعادتها إلى مكانها الطبيعي، حيث يجب أن تكون. فهل نحن مقبلون على مواجهة أميركية إيرانية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين ستكون؟ وما هي حدود الخطط الأميركية المرسومة لإيران؟ تقول قراءة متأنية للواقع السياسي منذ تولي ترامب إن هذا الرئيس هاجم إيران أكثر من خمس مرات منذ توليه الرئاسة، تصريحا، وثلاث مرات "تعرف إيران جيدا حجم قدراتها، وهي تدرك أن لدى الولايات المتحدة القدرة على شل كل قدرتها العسكرية بأسرع مما تتوقع، وبالتالي، لن تجازف وتقبل بتصعيد مع الولايات المتحدة، وستسمح لعاصفة ترامب أن تمر" فعلا، بفرض العقوبات، وأيضا بفرض حظر على مواطنيها للسفر إلى أميركا، وإرسال المدمرة كول إلى مضيق باب المندب قبالة السواحل اليمنية، في خطوةٍ تسعى إلى الحد من تهريب إيران السلاح إلى الحوثيين. يعطي ذلك كله انطباعا بأن المواجهة، ولا نقول الحرب، لأن مفهوم الحرب أوسع وأشمل، وإنما المواجهة الأميركية الإيرانية، قادمة لا محالة. إيران، وإن بدت غاضبة من تصريحات ترامب، واعتبرتها كلاماً فارغاً، إلا أنها بدأت بخطوات فعلية لمواجهة خطر المواجهة، منها ما تسرّب من رسائل إيرانية إلى أطراف خليجية أبدت فيها استعدادها للتفاوض، وأيضا الرسائل التي قيل إنها وصلت، عبر اللوبي الإيراني، إلى أطراف في إدارة ترامب. تعرف إيران جيدا حجم قدراتها، وهي تدرك أن لدى الولايات المتحدة القدرة على شل كل قدرتها العسكرية بأسرع مما تتوقع، وبالتالي، لن تجازف وتقبل بتصعيد مع الولايات المتحدة، وستسمح لعاصفة ترامب أن تمر، المهم أن تحافظ على بعض ما اكتسبت، وتفاوض، إنها لا تريد أن تقاتل على أراضيها، وهو أكثر ما تخشاه إيران، فهي، وبعد حربها مع العراق إبّان ثمانينات القرن المنصرم، قرّرت أن لا تخوض أي صراع على حدودها، ما دفعها إلى التوسع في دول عربية وغير عربية عديدة، مستغلة اضطراب أوضاعها. لذا، لن يكون مكان المواجهة الأميركية الإيرانية، على ما يبدو، على حدود إيران، وإنما في المناطق التي تنتشر فيها أذرع إيران، وتحديدا العراق. أما لماذا العراق، فلأن ترامب يفكر بعقلية التاجر، فهو رئيس جاء من خلفية تجارية بحتة، يريد النفط أولا، ويدرك جيدا أن خزين العراق النفطي يمكن أن يمنح أميركا دفعة قوية لسنوات عشر مقبلة أو أكثر، خصوصاً إذا عرفنا أن هذا النفط صار، في جزء كبير منه، حصة لإيران، عبر استثمارات متعدّدة وسرقات مختلفة. ترامب قالها علانية إن أميركا أنفقت ثلاثة تريليونات دولار في العراق، وسلمته لإيران، معادلة من وجهة هذا التاجر صحيحة جدا، فحتى الشركات الأميركية تعاني كثيرا من أجل الحصول على استثماراتٍ في العراق، فهل يعقل أن يترك العراق، صاحب آخر برميل نفط يخرج في العالم، لإيران؟ لم يتطرّق ترامب لوجود إيران في سورية، علما أن وجودها هناك لا يختلف عنه في العراق، بل ربما أفظع. ولكن، يبدو أن المهمة في سورية أوكلت لروسيا، وهو ما كان واضحا في مفاوضات أستانة، الخلاف الروسي الإيراني كان طاغيا. لن يكون سلاح العقوبات الأميركية على إيران، هو الأخير، فقد أعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض لصحيفة واشنطن بوست إن لدى إدارته خططا عديدة لتحجيم إيران، وإن العقوبات واحدة من تلك الخطط، في حين كان ترامب أكثر صراحةً، عندما قال إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة في التعامل مع إيران. غير صحيح أن تصريحات ترامب وإدارته تجاه إيران زوبعة في فنجان، فأميركا ترامب معنية بالعودة إلى الشرق الأوسط، وإلى العراق تحديدا، لأن هذا البلد يمتلك مخزوناً نفطياً هائلاً، وجدت أميركا بعد انسحابها منه إنه تحول إلى برميل نفط إيراني، من دون فوائد أميركية واضحة للعيان. حدود المواجهة الإيرانية الأميركية ستكون العراق، وربما مياه الخليج العربي في بعض المناوشات، أما كيف ستكون، فإن أميركا أيضا لا تريد مواجهة مفتوحة مع إيران، وانما ستعمل على تحجيم وجودها في العراق وسورية واليمن، وربما لبنان، وهي عواصم وجود النفوذ الإيراني الواضح والمكشوف، وفي كل بلد ستوكل أميركا المهمة لأحد حلفائها، ما عدا العراق.

آخر الأخبار