د. حسن فوزي الصعيدي
ولد سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- في شعب بني هاشم بمكة، صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني وعشرين من شهر أبريل سنة 571م.
وروى ابن سعد أن أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: «لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام».
وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وغاضت بحيرة ساوة.
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم «محمد»، وهذا الاسم لم يكن معروفاً في العرب، وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.
وأول من أرضعته من المراضع بعد أمه -صلى الله عليه وسلم- ثويبة مولاة أبي لهب.
في بني سعد
وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربي في مهدهم، فالتمس عبدالمطلب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرضعاء، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية.
ورأت حليمة من بركته -صلى الله عليه وسلم- ما قصت منه العجب.
وقد كانت حليمة تحدّث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه، تلتمس الرضعاء قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفاً وعجفاً، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجدّه! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه، فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي ثم نام، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة! لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حُمُرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله! إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأناً، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعاً لبناً.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان.