السبت 20 ابريل 2024
الرئيسية - كتابات - الصوم عن الكلام.. فضيلة غائبة
الصوم عن الكلام.. فضيلة غائبة
أحمد عبدالظاهر
الساعة 09:58 صباحاً
أحمد عبدالظاهر الصيام فريضة عرفتها الأمم السابقة، ولكن بكيفيات مغايرة. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى قول الله عز وجل فى سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فهذه الآية القرآنية تدل بجلاء على أن الأمم السابقة على ظهور الإسلام قد عرفت الصيام، بمعنى الامتناع عن أمر معين مباح فى الأصل. ومن أشكال الصيام التى عرفتها الأمم السابقة، نذكر الصوم عن الكلام. ويمكن الاستدلال على هذه الصورة للصيام من القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل مخاطباً زكريا عليه السلام: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِياً﴾. وفى سورة آل عمران، يقول الله عز وجل ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً، وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾. ويقول الله عز وجل فى سورة مريم: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِياً﴾. وإذا كان الصيام فى الشرع الإسلامى هو إمساك وامتناع إرادى عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية، فإن هذه العبادة لا تخلو من معنى الصوم عن الكلام. والدليل على ذلك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه». والزور هو الميل، وقول الزور هو كل قول مائل عن الحق، فالكذب زور، والشهادة بالباطل زور، وادعاء الإنسان ما ليس له نوع من الزور. وعن أبى هريرة (رضى الله عنه) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إنى صائم، إنى صائم». وروى عن أبى هريرة أيضاً أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر». وهكذا، فإن الصيام فى الشرع الإسلامى ليس ترك الطعام والشراب فحسب، ولكن الصيام، كما أراده الله عز وجل، هو ترك الطعام والشراب، توصلاً إلى ترك المعاصى والمنكرات؛ فهذا الذى يدع طعامه وشرابه، وهما قد أُحلا له، فلأن يدع المعصية من باب أولى. لذلك، فإن الإمام الغزالى «فى إحياء علوم الدين» يصنف الصيام على ثلاث مراتب؛ المرتبة الأولى، صيام العامة، هؤلاء الذين يقيمون على ما كانوا عليه قبل رمضان، من تجاوزات ومعاصٍ، ويأتى رمضان، ويدعون الطعام والشراب أثناء النهار، وينصرفون إلى شهواتهم وملذاتهم بعد الإفطار وكأن شيئاً لم يكن، هؤلاء العامة صيامهم جوع وعطش. أما المرتبة الثانية، فهى صيام المؤمنين، حيث يدَعون الطعام والشراب، ويدَعون المعاصى والآثام، يحفظون الرأس وما وعى، يحفظون أعينهم عن النظر إلى الحرام، يحفظون آذانهم عن استماع الباطل واستماع ما يسخط الله عز وجل، يحفظون أيديهم وأرجلهم، يحفظون أسرهم وبيوتهم وزوجاتهم وبناتهم وسائر علاقاتهم الاجتماعية، من كل خلل وانحراف. هؤلاء هم المؤمنون، الذين يدَعون كل مخالفة ومعصية. والمرتبة الثالثة، هى صيام الخاصة، فهم يدَعون ما سوى الله عز وجل، وبحيث يمكن اعتبار شهر رمضان دورة تدريبية مكثفة، ينصرف فيه الصائم بكل وقته وطاقاته وإمكانياته إلى الله سبحانه وتعالى، يقضيه فى تلاوة القرآن وتدبره وحفظه، وفى العمل الصالح وطلب العلم والتقرب إلى العلى القدير. هذا هو صيام الخاصة، ويشمل الامتناع عن الطعام والشراب والصوم عن المعاصى والمنكرات، والامتناع عن اللغو والكلام غير النافع. والواقع، أنه ما أحوجنا إلى هذا النوع من الصيام فى عصرنا الحالى، حيث كثر الجدل وانتشرت برامج «التوك شو»، وزادت المناقشات فى العديد من المسائل دون ضابط أو رابط، وزادت الجرأة على الثوابت الدينية والشرعية. ونعتقد أن ترشيد استخدام اللسان هو بداية صلاح الأفراد والمجتمعات. (وللحديث بقية).

آخر الأخبار