الجمعة 29 مارس 2024
الرئيسية - كتابات - اليمن.. خيار الحُديدة
اليمن.. خيار الحُديدة
الحديدة
الساعة 11:45 مساءً
هاشم عبد العزيز حين تتزايد التسريبات عن أي قضية تضيع الحقيقة، وهذا ما ينطبق تماماً على ما جرى ويجري من تسريبات إعلامية متضاربة مصحوبة بحملات إعلانية دبلوماسية في شأن محافظة الحديدة اليمنية الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، حيث تحول هذا التسويق إلى مطية وملطشة تحت مظلة الضرورة والحلول الممكنة بعد أن فشلت أكثر من مبادرة. المشهد الذي يرسمه هذا الضجيج دون توفر قضايا واضحة رمادياً تغيب خلفه هذه المحافظة المتفردة بأوضاع أبنائها الأليمة والبائسة، وما أضافته سيطرة الانقلابيين من تلاعب وعربدة مدمرة من جهة، ومن جهة ثانية التنكر الإعلامي والتحرك الدبلوماسي الإعلاني في كون ميناء الحديدة بوابة ترتبط بها الغالبية السكانية في البلاد وبخاصة في ظل الظروف والأوضاع الراهنة كحاجة معيشية، في «عاطفة» أممية قد لا تخلو من الحسابات السياسية المتعددة. وهنا ما يمكن أن يقال، إن «الحالة» التي صارت عليها الحديدة تكشف أنها مضافة إلى عدن مع الأخذ في الاعتبار أن عدن ستبقى في حضورها وخلودها مميزة في حسابات سيطرة مسبقة للانقلابيين على الشرعية الدستورية بمنظومتها ونظامها ومؤسساتها وعلى العملية السياسية في فترتها الانتقالية بمقوماتها المحددة بالمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي فتح الأفق أمام اليمن الواعدة وعلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وهذا يعني أن الانقلاب كان بداية مشروع الحرب والحرب العاصفة والمدمرة. لقد كانت أولوية الانقلابيين السيطرة على عدن والحديدة، لا بهدف إخماد المعارضين فقط، بل لضمان وتأمين الاستزادة بالأسلحة المختلفة وهي كانت معدة ومهيئة من غير مصدر ولكن تبقى إيران هي المتورطة. نعم تمكن الانقلابيون من السيطرة على عدن والحديدة، لكن الفارق أن عدن انتفضت فيما الحديدة صارت غارقة. وما هو جدير بالإشارة أن «الزفة» الإعلامية والإعلانية الدائرة حالياً في شأن الحديدة ليست ببعيدة عن هذه المفارقة، وهي على أي حال كانت لأسباب مختلفة تستحق ولو الإشارة. في البداية يجب التأكيد أن عدن بإرادة أبنائها وبدعم الأشقاء من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية واستناداً إلى الخطة الإماراتية لإنقاذ المدينة كان الانتصار تاريخياً بكل ما تعنيه الكلمة. أهمية انتصار عدن يأتي من كونه حوّل لحظة إنقاذ اليمن إلى مسيرة متواصلة. وعلى هذا لم يكن بمستغرب أن تكون المفارقات متعددة، وهي إذا ما كانت تبدأ بانتصار عدن على الانقلابيين غزواً وسيطرة في مقابل سقوط الحديدة بأيدي هؤلاء ليحكموا سيطرتهم على المقاليد والأمور المختلفة. عندما كانت القيادات العسكرية للحكومة اليمنية ترمي بكل ثقلها باتجاه منطقة مأرب تحت مظلة الإعداد والاستعداد للمعركة الفاصلة لتحرير صنعاء العاصمة والتي طال انتظارها، كانت عدن تنهض في مسيرة التحرير الشاملة من سيطرة الانقلابيين التي حفلت بالجرائم المختلفة والذين فتحوا الأبواب والنوافذ للحروب المدمرة. هنا يجب القول، إن مسيرة التحرير كانت مجسدة وهي حققت انتصارات كبيرة ومهمة وبلغت في هدفها الانتصار للحديدة، عمقها ومشارف عديد من مدنها. غير أن الأمر المستجد هو الحملة المتصاعدة تحت غطاء جعل محافظة الحديدة «خالية من الصراع في اليمن» ما يطرح أسئلة عديدة: نعم الحرب مرفوضة وملفوظة، لكن مواجهتها تتطلب أولاً وقبل كل شيء مواجهة أسبابها، فلماذا لا يرتبط هذا الحل الجزئي بقضية إنهاء الانقلاب؟ وهل التغني بموضوع الحديدة مرتبط بحل شامل للأزمة اليمنية بأخذ أولوية إنهاء الانقلاب ويرتكز على مرجعية حل الأزمة؟ إن المشهد الذي ترسمه المبادرات والتداولات في شأن الحديدة هو المثلث اليمني، مناطق محررة، ومناطق تحت السيطرة للانقلابيين وبين هذا أو ذاك مناطق «محايدة». إن الخروج من الأزمات لا يمر من خلال المأزق، وإن العجز الأممي في التعامل مع الانقلابيين هو ضد الأمم المتحدة بمواثيقها كون هذه الأخيرة كانت الراعي لحل الأزمة اليمنية، كما أن أسطوانة الأمر الواقع باتت مشروخة ولا تستقيم مع الحقوق والحقائق، ولن يتولد عن هذا غير الفوضى، والمنطقة خاصة وعالمنا بأسره في اكتفاء زائد من هذه الحالة. إن المخاوف من الطبخات حول اليمن متزايدة لا لتضاربها، ولكن لالتفافها على قواعد الحل الشامل والدائم للأزمة وكما لو أن المندفعين في هذا الأمر في سباق لاستغلال مسرف للوضع القائم. من هنا التساؤل: خيار الحديدة لأي شيء مناسب؟

آخر الأخبار