السبت 20 ابريل 2024
الرئيسية - تقارير وحوارات - أساس ضعفنا ومصدر علّتنا
أساس ضعفنا ومصدر علّتنا
ضعفنا ومصدر علّتنا
الساعة 11:01 صباحاً
تجتاح البلاد العربية اليوم أزمات عنيفة تضيّق عليها الخناق، وتخمد حياتها أو تكاد. فأنّى التفتَ ضيقٌ وارتباك، وأعباء ثقيلة، وعقبات صعاب. هنا الأزمة السياسية التي استعصى أمرها، والتي لا تكاد تُحلّ منها ناحية حتى تتعقّد نواحٍ، ولا تتقدم نحو الانفراج خطوة إلا لتعود إلى الاختباط خطى ومراحل. وهناك الأزمة الاقتصادية التي يرتسم طيفها أمام كل عين، ويثور القلق منها في كل قلب، ويتبادر حديثها إلى كل شفة ولسان. وهنالك الأزمة الاجتماعية الناتجة عن العراك بين القديم والجديد في العادات والتقاليد والأخلاق، والأزمة الفكرية المتكوّنة من تصادم شتى الآراء والفكر والعقائد والنظريات. على أن وراء هذه الأزمات كلها أزمة أخرى هي، في نظري، أعظم منها كلها خطراً وأعمق جذوراً: هي الأزمة الروحية. هي أزمة النفس، لا أزمة الجسد والمادة. هي معضلة القلوب، لا معضلة الجيوب. هي تراخي الهمة وخور العزم. هي غلبة اليأس على الأمل، وطغيان التشاؤم على التفاؤل. هي الحقد الذي يشتت الصفوف، والحسد الذي يفرق بين القلوب. هي فقدان الثقة وضعف الإيمان، وإيثار المصلحة الخاصة على النفع العام، وزوال معنى الإخلاص، والتضحية، وإنكار الذات. أجل! إن أساس ضعفنا ومصدر علّتنا هو هذه الأزمة الروحية الخانقة التي نتخبط فيها. وجميع الأزمات الأخرى -على ثقل وطأتها واستعصاء مشاكلها- ما كانت لتزعزع أسس حياتنا وتقضي على استقرارنا وعلى منابت القوة والأمل فينا، لولا الأزمة الروحية التي أخمدت قوى نفوسنا، وراكمت أدران المادة على منابع الفيض الروحي في شخصيتنا الفردية والاجتماعية فطمرتها. دوننا الأزمة الاقتصادية مثلاً. ليس لأحد أن ينكر تعقّدها أو يستهين بشأﻧﻬا، فخطرها عظيم وعبئها ثقيل. ولكن ما أخفّ تأثيرها في النفس المؤمنة اﻟﻤﺠاهدة التي تهزأ بالمادة، في سبيل تحقيق أهدافها، وتكتفي بما يقوم بأودها -وما أقله لمثل هذه النفس!- لتحصر جهودها في خدمة مبدأ سامٍ أو مثل أعلى. وإن نظرة واحدة على سير الرجال الذين كان لهم شأن في تقدّم أمّتهم أو خدمة الإنسانية، لكافية لتظهر أن المصاعب المادية لم تكن لتقف حجر عثرة في طريقهم، بل إﻧﻬم ثبتوا عليها وغلبوها بفضل قوى العزم والتضحية والإيمان وسواها من القوى الروحية، التي كانت تطفح بها نفوسهم، والتي فقدناها نحن العرب اليوم، فنشأ عن فقدِنا إياها هذه الأزمة الروحية العميقة التي نعانيها. * "أزمة الروح"، مقتطف من كتاب "الوعي القومي: نظرات في الحياة القومية المتفتحة في الشرق العربي" (1939).

آخر الأخبار