الجمعة 29 مارس 2024
الرئيسية - كتابات - لاتقل وداعا ً
لاتقل وداعا ً
د. وليد العليمي
الساعة 04:21 مساءً
د. وليد العليمي كانت السماء صافية ، في ذلك اليوم الربيعي ، كانت الساعة تشير الي السادسة صباحا ً،كان الهدوء يخيم على كل الأرجاء. في ذلك الوقت المبكر، كان نورالصبح يحتضن الأرض الغافية ، وكانت نسائم فصل الربيع ، تتسارع بين الأبنية والأشجار ،فتجبر أوراق الأشجار ، اما على السقوط ، أو الإنحناء ، بخشوع ، لعظمة عبيرالربيع. كانت النسائم المنتشية ، تداعب خد الصبح ، فتجبره على الصمت ، في حضرة الجمال الإلهي ، تحالفت السماء الصافية ، ونسائم الربيع المنتشية ، ونور الصبح البازغ ، والندى الكامن على أوراق الشجر ،فنقشوا للجمال ملحمة ً ، على أول صفحة لفصل الربيع ، الطفل ، وأوقدت الشمس بظهورها الخجول سراجا ً منيرا ً لملحمة جمال الطبيعة ، ونفخ الدفء ، روح الحياة ، في قلوب المخلوقات الغافية على فراش رحيل الليل ، وعزفت حبات المطر ، التي هطلت على إستحياء ، لتخفي إنسحاب الليل المهزوم أمام أسياف ضوءالنهار، لحنا ً خالدا ً ، مقدسا ً ، لملحمة الجمال السرمدي ، الذي تصنعه ،كل ربيع ، أنامل القدر ، الموشى ، برائحة العطرالأبدي ، ، على أرض الأمل ، الممتدة ، في الأفق البعيد ،شرق ملحمة البطولة ، تنافست أصابع أشعة الشمس الذهبية ، وهمسات قطرات الندى ( المتأهبة ،للقفز ، فوق حائط الخوف ) وضجيج رائحة الفجرالعائد الي عرينه، وخرير مياه المطر( ،الذي يحارب ، بكل قوة ، ليمحوجفاف الأرض ، المتطلعة ، بشغف ، لتروي ظمأها ، المتعاقب ) على لفت الإنتباه ، إلي عزفها ، الجماعي ، المنفرد ، في آن ، لأنشودة النصر ، على قمم جبال العزة ، المتاخمة ،لأرض التضحية ، عندما إنتصف النهار، وتجاسرت الشمس ، رغما ًعنها ، وأصابت كبد السماء ، توارت ، ملحمة الجمال المنقوشة ، بالتدريج ، إيذانا ً ، ببداية عصر لهيب الشمس ، الذي أذاب معاطف الربيع ،وأفكارصحو النهار ، وأحرق أغصان الأشجار ، وأوراق الأزهار البنفسجية ، وتحولت مياه الأنهار ، الي حمم ، ملتهبة ، تلتهم الأخضر واليابس في طريقها ، إنه ناموس الكون ، الذي ، صنعته ، السماء ،التي رسمت الجمال ،والقبح ، الخير، والشر، النهار ، والليل ، الشتاء ،والصيف ، إن لهيب الحمم مهما تعاظم ، لا بد له ، في يوم ،أن ينطفئ ، وان الجمال مهما بلغ مراتب الكمال ، لابد ، له في يوم ، أن يذوي ويرحل ،إن إنثناءات الحقيقة ، تنسج مغزى الحكاية ، على صفحة البحر ، والسماء ، إن الغيوم السوداء ، والبيضاء، المبعثرة ، هنا ، وهناك ، على سماء الروح ، لم تتبعثرعبثا ً ، إلا لتعلمنا ، النظام ، ولم تتلاشى ،إلا ، لتعلمنا ، معنى الوجود المادي ، واللامادي ، إننامهما أدركنا ، حقيقة ،بحرالحقيقة ، فإننا سنغرق ، قطعا ً ، في أعماق ،الوصول ، قبل كل ذلك كنت أنت ، ولم تتوارى ، أبدا ً، خلف ، القلب المثخن بالتطلع ،ومن يتسأل :- أين أنت ؟ فقد خدع ذاته ،الذي أنت ماثل فيه ، ومالك لكل أجزائه ، ومسيطر على كل أحواله ، ولن يراك فيه ، إلا ان أراد ذلك ، أنت حكاية البداية ، وأنت حكايات النهاية ، وأنت الحقيقة ، الماثلة ، كل يوم ،في ذلك الضوء ، المنثال ، والشارد ، والمسافر، في حقب الأزمنة ، لاتدركك الأوهام ، ولا تسبر أغوارك ، الأقلام ، المقدسة ، أنت كما أنت ، وكما ، وصفت ، نفسك ، في جواهر الأشياء ، وعين البهاء ، أنت رسمت الأحزان ، في بدايات الكتب ، ونهايات الملاحم ، وأنت غرست الفرح ، في صحراء الكآبة ، أنت الغموض ، في عز النهار ، وأنت البيان ، في هجيع الليل، أنت جدائل الإنتصار ، في عمق الهزيمة ، وأنت الراية الوحيدة المرفوعة ، والخفاقة ، في زمن الرايات المنكسة ، من يدرك من أنت ؟ ومن يأبه لك الأن حقا ً، البعض ، يدّعي ،زورا ً ، أنك معه ، والبعض الأخر ، يسرق باسمك ، ويقتل باسمك ، ويرتشف الأحلام باسمك ، والبعض ، يدعي ، معرفتك ، وقربك إليه ، وهو جاهل بك ،و يمزق ، كل يوم ، راياتك ، ويسدد ، كل يوم الطعنات ، اليك، من الأن ، من هؤلاء ، يعرفك ؟ ، لاأحد ، إنهم سيدركون ، في ذلك اليوم ، ضآلة معرفتهم بك ،بل سيدركون ، أنهم مخادعون ، وهم يعرفون ، أنهم كذلك ، منذ الوهلة الأولى ،لقد سافرت الحقيقة بعيدا ً عنهم ، بإرادتهم ، وهاجر الحق ، إليك ، غضبا ً ، منهم ، وعليهم ، إن تلك النوارس البيضاء المحلقة ، بجوار شواطئ البحارالبعيدة ، تعرفك أفضل منهم، وتثني عليك ، أناء الليل ، وأطراف النهار ، حبا ً فيك ، إنها لاترتدي الأقنعة باسمك ، ولاتجاهر ، بالعداء لك ، ولاتنكر وجودك ، سرا ً ، أوجهرا ً ،وهي لاتتغطرس ، مثلهم ، ولا تحمل سيف البغى ، على أحد ، وهي لاتقترف الخطايا خلف الستار، ولاترتكب الجرائم في الخفاء ، إنها تحلق في سماء النقاء ، فقط ، لأنها تعرفك ، إنها عيونك ، التي ترقبهم ، كل يوم ، ولسان حالها ، يردّد ، في فضاء الصمت الأبدي ،(ما أحلمك بهم ، وما أجرأهم عليك ) ، إن حقيبة الرحيل ، التي صادفتها ، تلك النوارس البيضاء، طافية ًعلى بحر الأماني ، لم تكن حقيبة ، تعود ، ملكيتها ، لأحد منهم، بل كانت حقيبة ، تقبع فيها ، بسكون ، خرائط الطرق ،التي وضعتها ، لهم ، لتخرجهم ، مما هم فيه ، وعندما ، حاولت ، تلك النوارس ، إنتشالها ، وإعادتها إليهم ، صوبوا ، إليها ، فوهات ، بنادقهم ،و أطلقوا ، أعيرة النيران ، بلا تردد ،أو خوف ،أو رحمة ،عندما قتلوا ، تلك النوارس ، ذبحوا ، آخر ، أمل ، لهم ، في النجاة ، ومنذ ذلك اليوم ، أصبح نور الشمس كنور القمر، وأصبح الشتاءكالصيف ، وأصبح النهار كالليل ، وأصبح الشيطان ، هو المهيمن ، وهم مجرد ، عبيدا ً ، له ، عندما أ ُغتيلت تلك النوارس ، كتبت بدمائها ، على صفحة بحر الأماني ، وهي تهوي الي القاع ، ( لا تقل وداعا ً )

آخر الأخبار