الجمعة 26 ابريل 2024
الرئيسية - كتابات - صنعاء تُسلّم نفسها للأقوى
صنعاء تُسلّم نفسها للأقوى
عبدالرزاق العزعزي
الساعة 08:34 مساءً
ماذا لو دخلت قوّات "التحالف العربي" إلى صنعاء؟ هل ستصبح الأخيرة مثل تعز أو عدن أو نهم؟ هذه مُجرّد تخوّفات مجتمعية. لن يكون هناك أيّ سيناريو مشابه، وذلك كون صنعاء مدينة لكلّ اليمنيّين. في معارك تعز ونهم ومأرب، هناك خليط من العوامل الإقتصادية والمناطقية. الجميع هناك ينتمون للمنطقة نفسها، ولا يوجد فيها سُكّان من مناطق مختلفة في اليمن، وهذا عامل مهمّ للغاية في المعارك. في محافظات الجنوب، كان الجميع يقاومون من أجل مناطقيّتهم، إلّا أن الوضع في صنعاء مختلف. صنعاء مدينة لكلّ اليمنيّين، يتواجد فيها الكثير من أبناء مختلف مناطق اليمن، عاشوا فيها فترات طويلة من حياتهم إن لم تكُ كلّ حياتهم. هذا يعني أن صنعاء المدينة ليست غطاءً قبليًّا أو مناطقيًّا مناسبًا لخوض حرب صنعاء كما يحدث في تعز مثلًا، التي تحوّلت إلى حرب شوارع، وانقسمت بين مناطق تخضع للحوثيّين وأخرى تخضع للمقاومة المسلّحة المتعدّدة، بحسب الغطاء القبلي. هذا يعني، أيضاً، أن الغطاء لمقاومة قوّات "التحالف" في صنعاء سيكون مكشوفًا، بمعنى أنّه لن يكون هناك حماية لظهر المقاومة، وهذا ما يعزّز المقولة التاريخية بأن "صنعاء تُسلّم نفسها للأقوى". وحتّى لو قمنا باستثناء بعض مناطق مدينة صنعاء، مثل الجراف وصنعاء القديمة، اللتين تُعدّان منطقتين يتشكّل غالبية سكّانهما من "الحوثيّين"، إلّا أنّ تلك المناطق تشكّل نسبة قليلة مقارنة مع باقي مناطق المدينة، ولن تستطيع الصمود كثيرًا. وبغضّ النظر عن أن صنعاء هي مركز اليمن، ويتواجد فيها مخزون كبير من الأسلحة جعلها تتعرّض لنصيب كبير من نيران "التحالف"، منذ أكثر من 500 يوم، ولم تنته، وبغضّ النظر عن أن بها نسبة كبيرة جدًا من مؤيّدي الحوثيّين والرئيس السابق، علي عبدالله صالح، متوزّعين في السكن وليسوا متكتّلين في محيط محدّد، بغضّ النظر عن عديد من المعطيات إلّا أن صنعاء ليست مكانًا مناسبًا لخوض أي مواجهة مسلّحة. هناك أسباب أخرى تمنع اندلاع المواجهات في صنعاء. أحدها وهو لا يقل أهمّية أن صنعاء كانت ولا زالت العاصمة الرأسمالية لأغلب أصحاب النفوذ المالي في اليمن، ولن يكون من مصلحتهم أن تحترق صنعاء بالحرب؛ أصحاب النفوذ المالي لهم أهمّية كبيرة في التأثير على أيّ قرار داخل اليمن. سبب ثانٍ أن الصراع في صنعاء لن يكون صراعًا عقائديًّا بل سياسيًّا، وفي الصراع السياسي يُحافظ المجتمع "بشكل عام" على بقائه، وتحافظ القوى المختلفة على ما حقّقته من سيطرة ميدانية، ليكون لها النسبة الأكبر من أيّ اتّفاق سياسي وتقاسم للدولة. يُدرك الكثيرون أن تحويل صنعاء إلى منطقة حرب مفتوحة سيؤدّي إلى صراع عقائديّ، وتصفيات بحسب الإنتماء، كما حدث في تعز. لن تتّجه القوى المحلّية والدولية إلى هذا السيناريو، ستحافظ القوى المحلّية على كوادرها وقواعدها التي تمدّها بالقوّة دائمًا، بينما ستحافظ القوى الخارجية على موقفها بأن تحاول إعادة الشرعية وليس استهداف المدنيّين، من قِبل القوّات المؤيّدة لها. وبحسب معطيات متعدّدة، فلن يتمّ اقتحام صنعاء من قبل قوّات "التحالف". هناك مخاوف عديدة، أهمّها أن المناطق التي تحرّرت من قبضة الحوثي تحوّلت إلى أماكن نزاع. هذا بحدّ ذاته يضعنا أمام احتمالات كثيرة، أهمّها أنّه سيُصعّب على "التحالف" عملية الحشد القبلي والمجتمعي لدخول صنعاء، لاسيّما مع المناطقية المفرطة والخطابات المستفزّة، التي تعاملت بها حكومة هادي في جنوب اليمن مع أبناء الشمال. أضف إلى ذلك ضعف حكومة هادي في التعامل مع خطابات وتصرّفات المقاومة المسلّحة في تعز وعدن، إذ أنتجت هذه الممارسات تخوّفاً غير معلن من قبل الكثير من قبائل الشمال، التي تخشى أن ينتقل الإنفلات الأمني إلى صنعاء، ناهيك عن الضغوطات الدولية التي تعمل على إيجاد توازنات في المنطقة بأكملها؛ لفرض تنوّع جيوسياسي في الوطن العربي، كما تُبيّن الشواهد المتعدّدة. في حال قرّرت قوّات "التحالف" دخول صنعاء، فلن تتمكّن من ذلك، إلّا في حال حسم المعارك على محيط صنعاء، الذي سيشهد مواجهات شرسة. لن تكون المواجهات في داخل صنعاء. في محيطها، ستكون المعارك عنيفة بسبب التوحّد غير الطبيعي للقبائل، وهي قبائل مُدرّبة تُجيد إدارة المعارك، كما أثبتت المعارك المختلفة في شمال صنعاء. تُبيّن الشواهد أن الإتّفاق سيكون سياسيًّا أكثر من كونه حسمًا عسكريًّا، والترويج الإعلامي حول أن حرب صنعاء ستكون الأخيرة هو مجرّد خطابات إعلامية، والسيناريوهات المنشورة حول اقتحام صنعاء ليست سوى حرب نفسية، تستهدف إضعاف عزيمة المقاتلين على مشارف صنعاء، وتحشيداً قبليّاً ومجتمعيّاً للمناوئين لقوّات الحوثي والرئيس السابق. صنعاء لم ولن تحترق بحرب عصابات، هذه حقيقة تاريخية أنتجت اعتقاداً بأن صنعاء تُسلّم نفسها للأقوی، وهو أيضًا منطق معاصر.

آخر الأخبار