الاربعاء 24 ابريل 2024
الرئيسية - كتابات - لا شيء من الغرب يسرّ القلب
لا شيء من الغرب يسرّ القلب
فؤاد أبو حجلة
الساعة 10:32 صباحاً
بقلم /فؤاد أبو حجلة رغم الملاحظات الكثيرة على مضمون قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بإدانة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية، فإن مجرد صدور هذا القرار في هذا التوقيت حدث سياسي كبير يعكس نوعاً من الاعتراف العالمي بجرمية الاحتلال الإسرائيلي ومظلومية الشعب الفلسطيني. لكن قراءة متمعنة لصياغة القرار تكشف أنه لم يكن انتصاراً تاريخياً ينبغي الاحتفال به، ولا هو تحول كبير في السياسة الأمريكية ينبغي البناء عليه، لأنه أدان الاستيطان اليهودي بقدر ما أدان المقاومة الفلسطينية، بل إنه اكتفى باعتبار الاستيطان عائقاً أمام حل الدولتين بينما اعتبر أعمال المقاومة عنفاً وإرهاباً، ولذا فإنه ربط بين وقف الاستيطان واستمرار التنسيق الأمني بين سلطات الاحتلال وسلطة الإدارة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. بهذا المعنى لا يمكن اعتبار القرار انجازاً فلسطينياً سياسياً كبيراً أو اختراقاً فلسطينياً ذكياً لدوائر صنع القرار في الولايات المتحدة التي اختارت الامتناع عن التصويت فأغضبت بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. قبل طرح القرار للتصويت في المجلس الأممي كشفت تسريبات أمريكية عن توجه إدارة أوباما لإنجاح صدوره من خلال استنكافها عن رفضه أو استخدام الفيتو لإسقاطه. وقد كان واضحاً أن الرئيس باراك أوباما يريد، في آخر أيامه، أن يرد الصفعة لنتانياهو، من دون إحداث تحول في الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل ظالمة أو.. ظالمة أيضاً. وقد أثمرت التنازلات التي قدمها للإدارة الأمريكية وفد فلسطيني، زار الولايات المتحدة الشهر الماضي وضم صائب عريقات وماجد فرج، في الاتفاق على صياغة "متوازنة" ساوت بين الفعل الاحتلالي والفعل المقاوم. كالعادة، اعتبرت السلطة الفلسطينية ومعها أطراف عربية أخرى صدور القرار انتصاراً تاريخياً واحتفلت بغزوة المجلس، وكالعادة أيضاً غضبت إسرائيل من تفكير المجتمع الدولي بانتهاج سياسة متحررة من أكذوبة المظلومية اليهودية التي استخدمتها تل أبيب عقوداً طويلة كغطاء لخروجها على القانون الدولي وممارستها للبلطجة السياسية والأمنية والعسكرية في الشرق الأوسط. وبينما كانت السلطة الفلسطينية في رام الله تهلل لانتصارها التاريخي كانت حكومة الاحتلال في تل أبيب تدرس الإجراءات الانتقامية من الدول التي صوتت لصالح القرار، فاستدعى نتانياهو سفراء هذه الدول ووبخهم، وأمر وزير جيشه المتطرف أفيغدور ليبرمان بوقف كافة الاتصالات السياسية والمدنية مع الجانب الفلسطيني دون المساس بالتنسيق الأمني، وذلك احتراماً للقرار الدولي! وإذ عبرت إسرائيل عن رفضها للقرار بعد صدوره مباشرة فإنها أكدت أن الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية مستمر ومتواصل باعتباره حقاً شرعياً مقدساً لليهود. في المقابل أكدت السلطة الفلسطينية التي تجاهر بتقديسها للتنسيق الأمني استمرار هذا التنسيق التزاماً بالشرعية الدولية! ما الذي تغير إذن؟ لا شيء تغير واقعياً باستثناء لجوء السلطة الفلسطينية إلى تأكيد احترامها للقرار الدولي بتشديد قبضتها الأمنية في المدن والأرياف، والمضي، بدعم أمريكي وعربي، في قمع المقاومة ومطاردة المقاومين واعتقالهم، وصولاً إلى اعتبار المقاومة إرهاباً ينبغي التصدي له. الملفت أيضا أنه رغم صدور القرار عن مجلس الأمم المتحدة، فإنه يتضمن حث الطرفين على التوصل إلى حل للصراع خارج أروقة المنظمة الدولية، ومن خلال المفاوضات الثنائية المباشرة! وربما، في هذا السياق، جاءت الدعوة الروسية إلى مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية مباشرة تحتضنها موسكو بدون شروط مسبقة. ما حدث في نيويورك قبل أيام يؤكد أن لا شيء من الغرب يسر القلب. وما حدث في بلادنا بعد صدور القرار الدولي يؤكد أننا حققنا انتصاراً فلسطينياً وعربياً كبيراً يشبه كل هزائمنا المحتفى بها خلال العقود السبعة الماضية.

آخر الأخبار