الاربعاء 2 يوليو 2025
الرئيسية - أخبار الخليج - تأمين السيادة: لماذا تمثل اليمن أهمية لمصر والخليج؟ - [ترجمة خاصة]
تأمين السيادة: لماذا تمثل اليمن أهمية لمصر والخليج؟ - [ترجمة خاصة]
الساعة 06:29 مساءً (الاهرام أونلاين - ترجمة خاصة)

بقلم: محمد قباطي- أعادت الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، وما أعقبها من وقف لإطلاق النار، تسليط الضوء على الأسئلة الملحة المتعلقة بالدول الهشة التي تقع في مرمى النيران الإقليمية. وفي حالة اليمن، يكشف هذا الهدوء المؤقت عن المخاطر الكامنة في ربط السلام الداخلي بتحولات القوى الخارجية. فعلى مدى فترة طويلة، جرت مقاربة الأزمة اليمنية من زاوية واحدة ضيقة: تدخل إيران.

لكن هذا التبسيط يختزل انهيار الدولة اليمنية، ويعيد إنتاج استراتيجية فاشلة: انتظار تغيرات الجغرافيا السياسية كطريق للنجاة الوطنية.



فالحوثيون ليسوا مجرد أداة بيد طهران، بل يمثلون مشروعًا استبداديًا مترسخًا، له جذور أيديولوجية وهيكلية سابقة على تحالفهم مع إيران. ومن الخطأ ربط تعافي اليمن بضعف إيران، لأن في ذلك مجازفة بمستقبل البلد على أمل تراجع قوة خارجية لا تكترث بسيادته.

وما يزيد الأمر تعقيدًا أن إلقاء اللوم كله على إيران يُعفي النخب اليمنية من مسؤولياتها. فمؤسسات الدولة لم تنهَر في فراغ، بل تآكلت بفعل سوء الإدارة الداخلية، والسياسات الإقصائية، وغياب الرؤية الوطنية المشتركة. وقد استغلت إيران هذا الفراغ، لكنها لم تكن هي من خلقه.

الاستقطاب وتآكل القرار الوطني
لا تزال الساحة السياسية في اليمن ممزقة بتحالفات إقليمية تقدّم مصالح الخارج على ضرورات الداخل. فبعض القوى تميل إلى المحور الإيراني، بينما تنخرط قوى أخرى بشكل غير مشروط في تحالفات خليجية، غالبًا دون إطار واضح للشراكة أو ضمانات للسيادة.

وهنا تكمن المعضلة الحقيقية: ضرورة التمييز بين الشراكة الاستراتيجية والارتهان السياسي. فالدور الخليجي في اليمن أساسي، بحكم الجغرافيا والاقتصاد، لكنه ينبغي أن يُبنى على الاحترام المتبادل والقرار الوطني، لا على التبعية أو التعاملات المؤقتة.

فالسيادة الحقيقية تتطلب وضوحًا في التوجه. ويجب أن يكون انخراط اليمن إقليميًا من موقع الشريك الساعي إلى الاستقرار والتنمية والازدهار، لا التابع الذي يُدار من الخارج.

اليمن والخليج: تكامل دون تنازل
مستقبل اليمن مرتبط عضوياً بالخليج. فموقعه الجغرافي—المتاخم للسعودية وعُمان والمطل على البحر الأحمر وبحر العرب—يجعله جزءًا محوريًا من معادلة أمن شبه الجزيرة العربية. غير أن هذه الجغرافيا يجب أن تُترجم إلى سياسة هادفة.

ويجب أن يكون التكامل مع الخليج مبنيًا على أسس عادلة، ومصالح مشتركة، واحترام للتحديات التي يواجهها اليمن. فالتكامل لا يعني التنازل عن السيادة، بل يمكن، إذا تم على أسس متكافئة، أن يُعززها.

وهذا المبدأ لا يقتصر على الخليج فحسب. فمضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، يمثل أهمية استراتيجية ليس لليمن والخليج فقط، بل لمصر أيضًا، بما له من صلة مباشرة بالأمن البحري والاقتصادي المصري. فعدم الاستقرار في اليمن يهدد ممر البحر الأحمر، وهو شريان حيوي لمصالح مصر التجارية والبحرية.

المصالح المصرية في البحر الأحمر
تمثل مصر طرفًا طبيعيًا في معادلة استقرار اليمن، نظراً لموقعها كقوة بحرية مطلة على البحر الأحمر، ودورها المركزي في النظام العربي. فلدى مصر القدرة والمصلحة معًا للاضطلاع بدور بنّاء في اليمن، من خلال الدبلوماسية، والانخراط الاقتصادي، والتنسيق البحري.

ويتقاطع تأمين خطوط الملاحة في البحر الأحمر مع أولويات القاهرة: حماية عائدات قناة السويس، ومكافحة تهريب الأسلحة، وتأمين الجناح البحري الجنوبي للبلاد. ولذلك، لا ينبغي أن يكون دور مصر في استقرار اليمن هامشيًا، بل هو مصلحة وطنية مباشرة.

كذلك يمكن لمصر أن تلعب دورًا توازنيًا يدعم إعادة دمج اليمن في المنظومة الخليجية، ويعزز في الوقت ذاته أطرًا سياسية شاملة تقوم على احترام السيادة الوطنية. فمكانة مصر التاريخية في العمل الدبلوماسي العربي تؤهلها لسد الفجوات والتقليل من منطق "اللعبة الصفرية" الذي لطالما حكم العلاقات الخارجية اليمنية.

من ساحة صراع إلى شريك فاعل
لكي تخرج اليمن من مأزقها الراهن، لا بد لها من إعادة تصور مفهوم السيادة—not كعزلة، بل كقدرة على اختيار شراكات تعزز المؤسسات الوطنية. ويتطلب هذا التحول مشروعًا سياسيًا يوحد ولا يُفرق، يرتكز على التنمية، والمواطنة، والمؤسسات.

يجب ألا تظل اليمن ساحة لصراعات الآخرين، بل تتحول إلى طرف فاعل في رسم مستقبل الإقليم. وهذا يستدعي شراكات مع دول الخليج من موقع الكرامة، وعلاقات استراتيجية مع مصر وغيرها من الدول المعنية بأمن البحر الأحمر.

الفرصة سانحة. فبينما يُعاد رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، تتسع المساحة أمام الدول المهمّشة سابقًا لإثبات أهميتها. ويمكن لليمن أن تختار بين أن تذوب في حسابات الآخرين، أو أن تستعيد مكانتها من خلال وضوح الرؤية والدبلوماسية الاستراتيجية.

فمع شراكة خليجية حقيقية، وانخراط مصري فاعل، لن تكون سيادة اليمن حلمًا بعيد المنال، بل ركيزة أساسية لنظام إقليمي جديد، قائم على التعاون والتوازن والاحترام المتبادل، لا على المحاور والتبعية.

الكاتب دبلوماسي وأكاديمي ومستشار سياسي يمني.


آخر الأخبار