لن تصدق ماهي الدولة التي تُخلد ذكرى رحيل الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين" مرتين كل عام؟!
2017/05/11
الساعة 11:54 صباحاً
يخلد الموريتانيون رحيل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كل عام مرتين، مرة في عيد الأضحى، ومرة في الثلاثين من ديسمبر كانون الأول ذكرى إعدامه، فينظم عدد من الأحزاب فعاليات اجتماعية ومهرجانات كبيرة، يحضرها كبار السياسيين والمثقفين والأدباء والفنانين وآلاف المواطنين.
وفي هذه المناسبات، يتبارى شعراء موريتانيا في تدبيج القصائد والمراثي في صدام حسين، بينما تملأ صوره المكبرة ببزته العسكرية، وسيجارته الكوبية ونظراته المظللة شوارع العاصمة نواكشوط.
وفي الواقع الافتراضي، يغير كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورهم الشخصية بصور لصدام حسين ووزير خارجيته طارق عزيز، وعزة ابراهيم الدوري، الذي يعتبرونه "الرئيس الشرعي لجمهورية العراق".
سياسيا، تعود العلاقات بين موريتانيا والعراق إلى عام 1987، حين أعلنت موريتانيا قطع علاقتها الدبلوماسية مع إيران، التي كانت في حرب مع العراق، ومنذ ذلك الوقت توطدت العلاقات بين موريتانيا والعراق، وأصبحت بغداد أحد المدافعين النادرين عن موريتانيا وكان صدام حسين يعتبر أن بلاده وموريتانيا تشكلان الحدود السياسية للعالم العربي، في إطار مشروعه القومي.
وفي المجال الثقافي، كان المركز الثقافي العراقي أهم المعالم الثقافية في نواكشوط، إبان حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفيه اعتنقت أجيال شابة فكرة القومية العربية، وتبنت المشروع البعثي بنسخته العراقية.
بموازاة ذلك، فتح صدام الجامعات العراقية أمام الطلاب الموريتانيين، الذين توافدوا بأعداد كبيرة إلى العراق، وعادوا منها مشبعين بفكر "البعث والاشتراكية".
وتغلغل البعثيون الجدد في عمق الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في موريتانيا، فساهموا في أول انقلاب عسكري في موريتانيا في 10 يوليو 1978.
ورغم علاقتهم المتقلبة بأنظمة الحكم المتعاقبة، واصل البعثيون تأثيرهم رافعين شعار "موريتانيا عربية"، ذلك الشعار الذي أثار غضب النخبة الفرنكوفونية المرتبطة بفرنسا.
وأجج مشاعر السخط والاستياء في أوساط "الأقلية الزنجية" في موريتانيا، التي رأت في المد القومي العربي، وتنامي الشعور العروبي تهديدا لهويتها ووجودها ولمصالحها أيضا.
وهذا الاحتقان العرقي بين العروبيين البعثيين والزنوج الفرانكفونيين غذى، إلى حد كبير، اندلاع الأحداث العرقية بين العرب والزنوج والأزمة التي كادت أن تتحول إلى صراع مسلح بين موريتانيا والسينغال عام 1989.
وفي غمرة تلك الأحداث أعلن صدام حسين وقوفه الكامل إلى جانب موريتانيا، وأرسلت الحكومة العراقية تعزيزات عسكرية كبيرة إلى موريتانيا. وأوفدت مستشارين وخبراء عسكريين في وقت كان الجيش الموريتاني يحشد قواته على الحدود مع السنغال.
وتوجت العلاقات الموريتانية العراقية بتعيين العقيد ولد الطائع، لقياديين بعثيين بارزين وزراء في الحكومة الموريتانية لكن العلاقة بين موريتانيا والعراق لم تلبث أن تعرضت لامتحان صعب عام 1991، حين قرر صدام حسين اجتياح الكويت.
في أكتوبر عام 1999 أعلنت موريتانيا افتتاح سفارتها في تل أبيب، هذا التحول الدراماتيكي فجر الأزمة بين النظام والبعثيين الموريتانيين. وتماشيا مع التوجه الجديد، سرح ولد الطائع كبار الضباط البعثيين من الجيش والقوى الأمنية، وجرد المسؤولين الحكوميين المنتمين للبعث من مهامهم، وزج بعدد غير قليل من قيادات القوميين في السجون والمعتقلات، ولاحقت الشرطة الناشطين والمتعاطفين معهم.
وأعلنت السلطات الموريتانية حل حزب الطليعة البعثي، واعتقال مؤسسيه، ثم حلت حزب التجديد، واتهم نظام ولد الطائع البعثيين بالسعي إلى قلب نظام الحكم في البلاد، وأعلن في المقابل دعم موريتانيا للحرب الأمريكي على العراق في مارس 2003.
وفي 8 يونيو نفذ ضباط موريتانيون ذوو خلفية بعثية وناصرية محاولة انقلابية دامية، للإطاحة بالرئيس ولد الطائع ورغم فشل الانقلاب فقد مهد الطريق أمام محاولات انقلابية متتالية، أدت في النهاية إلى إزاحة ولد الطائع عن سدة حكم البلاد في 3 أغسطس 2005، ليعود البعثيون بقوة إلى المشهد السياسي في موريتانيا، ويعود معهم تمجيد صدام حسين وإيديولوجيا حزبه.