وصفت انتخاب ترامب بـ"العمل الإرهابي" فصارت من ضحاياه.. إليك قصة "أولجا كوكس"
2016/12/29
الساعة 05:52 مساءً
منذ أسابيع تراود أولجا كوكس كوابيس توقظها قبل ساعات من شروق الشمس، أحياناً ما تتمكن من العودة للنوم مرة أخرى، إلا أنها غالباً ما تجد نفسها مستلقية في الظلام، بينما تشغل فكرها العديد من الأفكار حتى تستسلم لدموعها.
يأتي الصباح موفراً ملهيات عابرة: قدحاً من القهوة، وبعض زينة الكريسماس، وربما مكالمة هاتفية من الأصدقاء المقربين، لكن دون الشعور براحة دائمة، فستائر منزلها ستبقى منسدلة، وبابها مغلقا، وستقضي كوكس المنطلقة سابقاً - والتي ازدهرت عبر تواصلها مع الآخرين- يوماً آخر منعزلة، ومنتحبةً، بينما يمنعها الرعب من مغادرة منزلها.
لطالما افتخرت كوكس الأستاذة الجامعية بكلية أورانج كوست في ولاية كاليفورنيا الأميركية طوال فترة عملها بالتدريس بقدرتها على الحديث بحرية.
كان ذلك قبل أن ينتشر مقطع فيديو لها في وقت مبكر من الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول 2016، وصفت فيه انتخاب دونالد ترامب بأنه "عمل إرهابي"، وهو ما أثار موجة من التهديدات العنيفة أجبرتها على إنهاء فصلها الدراسي مبكراً، والفرار من منزلها.
تقول كوكس التي عادت إلى منزلها الآن، إلا أن حياتها لم تعُد إلى طبيعتها قط "الآن، في السادسة والستين من العمر، أشعر بالذعر، إنه ليس شعوراً جيداً على الإطلاق أن أنظر هنا وهناك، متسائلة حين تظهر سيارة غريبة أمامي في الطريق، إن كانوا سيلتقطون صورة لي أو أسوأ من ذلك، إلا أن هذه هي حياتي الآن، أشعر أنني تعرضت للهجوم من الغوغاء في جميع أنحاء البلاد".
وتضيف: "إذا ما هددوني مراراً وتكراراً أنهم سيطلقون النار في وجهي، كيف لي أن أعلم إن كانوا سيفعلون ذلك أم لا؟".
ماذا قالت؟
يُظهر مقطع الفيديو الذي أشعل فتيل الكراهية كوكس واقفةً أمام طلابها بينما أطلقت على الرئيس المنتخب "عنصري من البيض"، مضيفة أن البلاد قد تعرضت "للاعتداء".
أشارت كوكس التي تعمل أستاذة لعلم النفس وتُحاضر في مادة السلوك الجنسي للإنسان، إلى مايك بنس نائب الرئيس المنتخب باعتباره "واحداً من أكثر مناهضي المثلية الجنسية في البلاد"، وأخبرت طلابها أيضاً أن الأمة منقسمة مثلما كان عليه الأمر إبان وقت "الحرب الأهلية".
وفقاً لجوشوا ريكالد مارتينيز طالب قسم العلوم السياسية ورئيس مجموعة الجمهوريين (الحزب الذي ينتمي إليه ترامب) في الجامعة، فقد سجل أحد الطلاب تعليقات كوكس أثناء محاضرتها، بعدما رأى أن تصريحاتها عدوانية، وقرر مشاركة ذلك الفيديو مع المجموعة الجمهورية في الجامعة.
انتشر الفيديو سريعاً، وخلال أيام معدودة أصبحت الأستاذة المحبوبة -غير المعروفة على نطاق واسع خارج الحرم الجامعي الذي عملت فيه لأكثر من عشرين عاماً- هدفاً لهجوم شرس، وامتلأ بريدها الإلكتروني وبريدها الصوتي بالمئات من رسائل التهديد التي أشارت إليها بأنها "معادية لليبرالية"، و"ماركسية"، و"غريبة الأطوار"، و"يسارية حقيرة"، و"من عباد الشيطان".
هكذا هددوها
جاء في إحدى الرسائل الإلكترونية من شخص يُدعى زافير إسرائيل ماتاموروس "احتفظي بعداوتك للبيض، وكرهك للرجال، وقيمك التقليدية الجوفاء، وآرائك المؤيدة للإسلام الراديكالي لنفسك"، وأضاف "أنت إرهابية ماركسية متعصبة تساهمين في الفرقة عن طريق إقحام وجهة نظرك المتطرفة وترهيب وتضليل طلابك، أنت مريضة ومعتوهة وفاسدة".
كما كتبت سيدة تُدعى جينيفر "أنتم الأساتذة تُدرسون أن البيض أخساء بلا أخلاق إذا لم يدعموا الإبادة الجماعية للبيض. مكافحة العنصرية، هي كلمة السر لمعاداة البيض".
المدعو جيم إرنست أرسل إليها كذلك "إذهبي في وسط ملعب كرة القدم، وضعي مسدساً على صدغك، وأطلقي الرصاص على نفسك، أو يُفضل أن تغمري نفسك في البنزين، وأشعلي النار في نفسك".
مع تفاقم تلك التهديدات، أمست كوكس مرعوبة من المكوث وحدها، إذ سيطرت عليها فكرة انتظار شخص معتوه يحمل سلاحاً أو سكيناً لها، وبدأ أمن الحرم الجامعي بالتواجد في محاضراتها، كما بدأ الطلاب أيضاً في مرافقة كوكس إلى قاعة الدرس والجلوس معها خلال الساعات المكتبية، وهي الفترة التي كانت عادة ما تقضيها وحدها.
تقول كوكس "في كل مرة كنت أتوجه فيها إلى مكتبي، كنت أخشى من أن يكون قد تم اقتحامه، وكل يوم عند ذهابي إلى المنزل، أخشى أن يكون قد خُرب، بغض النظر عما يقوله جانب تفكيرك المنطقي، فالأمر لا يزال مرعباً حقاً".
بلغت المضايقات ذروتها عندما تلقت كوكس رسالة إلكترونية من رجل يُدعى تيم وايت، الذي أرسل لها عنوان منزلها ورقم هاتفها ومرتبها، وهددها بنشر تلك المعلومات في "كل مكان"، ادعت الرسالة الإلكترونية أن كوكس "معادية لليبرالية، وماركسية، ومتعصبة، وغريبة الأطوار"، تقول كوكس إنها في ذلك الوقت لم تعد قادرة على المكوث في منزلها وقررت الفرار.
لم يساعدوها
واستمرت محنة كوكس بعد عرض مقطع الفيديو في برنامج O’Reilly Factor التلفزيوني، إذ أشار المضيف إلى تصريحاتها بأنها "هراء" و"تشهير"، ووصفها بأنها أحد أطراف "اليسار الشمولي"، وقال "هذه المرأة بحاجة إلى معالج نفسي".
قالت كوكس إنها استغاثت بالشرطة وبمكتب التحقيقات الفيدرالي طالبة المساعدة، إلا أن كلتا الوكالتين أخبرتاها بأنه لا يمكن تقديم أي مساعدة وفقاً للقانون ما لم تتعرض ممتلكاتها للتخريب، أو تتعرض هي لهجوم جسدي.
وردت الشرطة في بيان "نأخذ نوع التهديدات التي تتعرض لها السيدة كوكس بجدية، ونقوم بالتحقيق في الأمر".
بينما رد المتحدث الرسمي لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالقول "الوكالة لا تعلق على المعلومات المقدمة من أشخاص يدعون أنهم ضحايا للإجرام".
كما جاء في بيان المتحدث أن "أي شخص يشعر بالتهديد، عليه أن يخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث سنحاول تحديد حقيقة هذا التهديد، وما إن كان يندرج تحت اختصاصنا أم لا"، مضيفاً "إذا ما شعر أي شخص أن حياته في خطر محدق، لا بد له من الاتصال بـ911".
هجوم الجمهوريين
شون ستيل أحد النواب السابقين عن الحزب الجمهوري في كاليفورنيا، قال إن "الجمهوريين في كلية أورانج موست قد رفعوا شكوى رسمية ضد كوكس، متهماً إياها في تصريح لموقع Orange County Register بأنها تستخدم صلاحياتها كمدرسة قادرة على تحديد الدرجات في "تخويف وتضليل الطلاب".
ويتمتع فصل السلوك الجنسي للإنسان الخاص بالأستاذة أولجا كوكس بسمعة طيبة في كلية أورانج كوست، كونه منتدى مفتوحا فريدا من نوعه، ومثَّل في بعض الأوقات جلسة علاج جماعي لمئات الطلاب في وقت واحد.
تقول كوكس إنها تقضي أول 20 دقيقة من كل حصة دراسية في الإجابة عن الأسئلة المقدمة بشكل مجهول من الطلاب، إذ عادةً ما تحتوي هذه الأسئلة على مشاكل جنسية ومشاكل خاصة بالعلاقات، إلا أنه في الأيام التي تلت انتخاب ترامب، بدأ الطلاب في تقديم أسئلة سياسية.
وتلفت إلى أن الكثير من طلابها، وبالأخص المسلمين منهم أو المثليين أو الذين يملكون أقارب غير مسجلين بدؤوا يخبرونها أنهم يشعرون بالخوف، وكان رد كوكس -وهي مثلية جنسياً- أنها تشاطرهم نفس الشعور.
تتابع: "كان عندي طالب أجنبي مسلم أخبرني أنه يخاف من الخروج من شقته. لقد بكيت معه وانتابني شعور سيئ، لأنه كان وحيداً وخائفاً للغاية".
عندما وقفت كوكس أمام طلابها في الفصل للإجابة عن أسئلتهم في ذلك اليوم الذي انتقدت فيه انتخاب ترامب، قالت إن حديثها لا يتعمد إشعال الفتنة، بل للتهدئة من روع طلابها وطمأنتهم أن "كلية أورانج كوست آمنة"، وتوضح "باعتباري معالجة نفسية، هذه هي الأشياء التي أشاركها مع الأشخاص المحبطين، قلت لهم: تعاملوا مع مشاعركم وافعلوا شيئاً إيجابياً، وكنت أساعدهم على مواجهة مخاوفهم، كان هذا هو مقصدي الأساسي".
أُضيف اسم كوكس مؤخراً للموقع المثير للجدل Professor Watchlist، الذي يتضمن أسماء ما يقرب من 200 أكاديمي من جميع أنحاء البلاد، تتهمهم المجموعات المحافظة بالوقوف وراء "الدعاية اليسارية"، والتمييز العنصري "ضد الطلبة المحافظين (الجمهوريين)".
ضد "تكتيكات الجستابو"
روب شنايدرمان رئيس اتحاد معلمي الساحل/الاتحاد المحلي للمعلمين الأميركيين 1911، والذي يمثل كوكس، اعتبر أن المشكلة الحقيقية هي تسجيل هذا الفيديو، في خرق واضح للقواعد المنظمة لسلوك الطالب المنصوص عليه صراحةً في منهج الأستاذ.
وأضاف "عرفت كوكس بأنها مدرسة متفتحة، وهناك مطالبات في جميع أرجاء الحرم الجامعي لترشيحها لأفضل معلمة لهذا العام، وتحظى باحترام كبير داخل الجامعة، وهذا يُعد انتهاكاً صريحاً".
وأشار شنايدرمان إلى أن الاتحاد يسعى لمساعدة مسؤولي المدرسة في تعزيز سياسات حرية التعبير من أجل الحفاظ على الطلاب والمعلمين من "تكتيكات الجستابو"، منوهاً إلى أن العديد من المعلمين في الكلية قد تعهدوا بمقاومة أي محاولات من جانب الجمهوريين داخل الحرم الجامعي لبسط سيطرتهم على النقاشات داخل الفصول الدراسية.
وتقول كوكس إنه على الرغم من الخوف الذي يعتريها كلما تركت منزلها، فإنها تخطط للرجوع للتدريس بحلول نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2017.
واختتمت كوكس حديثها بالقول "من الصعب تصديق أن هذا يحدث لي، وإن كانت أميركا سوف تصبح هكذا، فعلينا جميعاً أن نشعر بالخوف".