2015/07/08
نيللي كريم تحت سيطرة الإدمان وخارج المنافسة الفنية إمرأة آيلة للسقوط في «ميلودراما» منتهية الصلاحية
على مدار العامين الماضيين وفي الموسم الرمضاني قدمت نيللي كريم مسلسلين مهمين، الأول «ذات» والثاني «سجن النسا». والاثنان مأخوذان من عملين أدبيين لصنع الله إبراهيم وفتحيه العسال، ومن إخراج كاملة أبو ذكري وقد أحدث المسلسلان ضجة كبرى لنجاحهما المذهل وباتت بعدهما البطلة واحدة من النجمات المعتمدات لدى الجمهور والنقاد خاصة في الأدوار التراجيدية التي عادة ما تجد قبولا عند هواة هذا النوع من الدراما التأثيرية، لكونها تخاطب الشريحة الأفقر من عموم الناس وتطرح بواقعية شديدة مشاكلهم وهمومهم.
ولأن كاتبة السيناريو مريم ناعوم لعبت على أوتار الاحتياج والفقر، جاءت الاستجابة سريعة وحققت أعلى معدلاتها في نسب المشاهدة ،غير أن شيئا ما تغير في المعادلة في مسلسلها الجديد «تحت السيطرة» أدى إلى تراجع الأسهم نسبيا، ربما لاختلاف الموضوع أو غياب كاملة أبو ذكرى واستبدالها بالمخرج تامر محسن، الذي أحدث فارقا في طريقة الإخراج ومستوى الترتيب بين المسلسلات المنافسة، فزحزح نيللي كريم عن موقع الصدارة لأول مرة منذ عامين متتالين.
والحقيقة أن تغيير المخرج ليس وحده السبب في التراجع، وإنما قضية الإدمان المطروحة بقوة في سياق الأحداث، خلقت مسافة بين البطلة وهي رمانة الميزان الأساسية، وبين الجمهور البسيط الذي لم يطق صبرا عليها ليراها كل يوم في الشأن نفسه، امرأة ارستقراطية تحاول جاهدة التخلص من الإدمان، ولأنها لا تمثله، حيث أنها من طبقة لا تمت له بصلة، فلم يجد مبررا لمتابعة ظروفها ومسيرتها العلاجية، بيد أنه من الأصل لم يتعاطف معها، بل هناك من يدينها ويرى أن أمثالها يستحقون أكثر من ذلك لا سيما أنها ليست ضحية ولكنها مدمنة مع سبق الإصرار والترصد، ولها تجربة سيئة في هذا المضمار أودت بحياة صديقها الأول الذي كان يشاطرها الإدمان والتعاطي قبل أن تسافر إلى الدولة الخليجية وترتبط بشخص آخر لم تصارحه بحقيقة أمرها، وإنما خدعته باسم الحب المزيف حتى أوقعته في براثنها، ليواجه واقعا مؤلما ويصبح في حيرة من أمره وأمرها.
لهذه الأسباب النفسية والاعتبارات الموضوعية لم تكسب «مريم» أو نيللي كريم تأييد الجمهور في دورها المختلف، وهذه إشكالية يقع فيها الممثل والممثلة، عندما يتعود الجمهور على نمط أدائي معين منهما، ثم يفاجأ بتحول ما يغير من انطباعه. وليس هذا فحسب وإنما أشياء أخرى جوهرية في صميم العمل الفني نفسه جعلته أقل حظا من أعمال نيللي كريم السابقة، من بينها أن الأحداث كلها تدور حول الإدمان والشخصيات كلها مريضة، ومواقع التصوير لم تخرج عن المصحة إلا قليلا، وهو ما خلق بدوره حالة من الرتابة والملل والإحساس العام بالاكتئاب، بالإضافة إلى الرهان الكامل على شخصية البطلة بمفردها في رفع درجة التفاعل، في غياب زوايا أخرى كان بالإمكان إفساح المجال لها لتشكل خطا دراميا موازيا يدعم الخط الرئيسي، ولكن ما نراه مقصورا فقط على حكاية «مريم» وأزمتها النفسية والاجتماعية كأنها تعيش في الحياة بمفردها، ومن ثم تتمخض عنها كل التجارب والقصص، ولابد أن تكون هي مصدر الانفعالات والاضطرابات والحزن. صحيح أن هناك جانبا آخر يمثله أحمد وفيق ويجيد فيه حق الإجادة، لكنه يصب في الخانة نفسها، ولا يبتعد عن جو المخدرات والإدمان والإعياء وأزمات الانسحاب وبوادر الشفاء والانتكاسات، وغيرها من ظواهر المشكلة وحالات المدمنين المعهودة وتجاربهم القاسية.
ولأنه لا توجد مواطن درامية مغايرة تحفز البطلة على المعايشة وتستفز قدراتها التمثيلية، فإن نيللي تحاول جاهدة استدعاء كل مشاعرها وشحذ طاقتها التأثيرية لتبدو داخل الشخصية وليس خارجها وهي مشقة كبرى تحاول بها تعويض النقص في مكونات الدور والقصور الناتج عن الإخراج، لأن التصعيد والتأثير مسؤولية المخرج أولا قبل الممثل، أما وأننا أمام مخرج محدود الخبرات فإن العبء يقع بالقطع على كاهل الأبطال وبالأخص البطلة الرئيسية.
من عيوب الكتابة الدرامية أحيانا التركيز على شخصية البطل باعتباره مسوق العمل الفني، وصاحب الامتياز الأول في عملية التوزيع، وبالتالي يتعين الاهتمام به ووضعه في بؤرة الضوء والحدث، دون غيره من بقية الأبطال والممثلين المساعدين، وللأسف يتكرر هذا الخطأ كثيرا في مسلسلاتنا المصرية، لاسيما الموسمي منها، وقد وقعت نيللي كريم ضحية لهذا النظام واستسلمت لإغراء الشهرة ومشهيات العمل الفردي، وهي بالطبع مغامرة محسوبة وعواقبها في غير صالح النجمة التي توهجت سريعا ولا نريد لها أن تختفي سريعا أيضا.
من مزايا نيللي كريم الدقة في اختيار الأدوار والعمق في الأداء والإحساس الصادق بالشخصية، ويجب أن تظل هكذا على أن يكون ولاءها أولا وأخيرا للمضمون وليس للشكل العام، والضجة التي سرعان ما تنتهي بانتهاء الدعاية فما يبقى هو العمل الجيد ولا شيء قبله ولا بعده.
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com -
رابط الخبر: https://www.bawabatii.com/news10781.html