2015/12/13
«سبكتر».. كيف واجه جيمس بوند «المجلس الأعلى للعالم»
تعرف أنك تشاهد فيلما لـ«جيمس بوند» بمجرد سماعك التيمة الموسيقية الشهيرة للسلسلة، أو رؤيتك له يقود سيارة ذات إمكانيات خاصة تطلق الرصاص والصواريخ وتغوص في أعماق البحر وأحيانا تختفي في مكانها. تعرف أنك داخل عالم بوند مع مشاهدة عدد من السترات الأنيقة والنساء الفاتنات والساعات القاتلة والأقلام المتفجرة وصالات القمار والأشرار المختلفين عن أي أشرار في أي مكان آخر. إلا أنه بشكل مقصود أو غير مقصود، يمتلئ فيلم Spectre، الأحدث في سلسلة أفلام العميل السري البريطاني «جيمس بوند»، إلى جوار العلامات المسجلة أعلاه، بعدد من الإشارات القادمة من عالم نظريات المؤامرة ورموز الماسونية الخفية، وحكايات المجلس الأعلى للعالم الذي يضم، حسبما يروج المؤمنون بوجوده، أجهزة مخابرات عالمية تستهدف بعض الدول دون الحاجة لخوض حروب مباشرة معها. ربما يسأل البعض: «هل تعمد صناع الفيلم استخدام تلك الإشارات، أم أنها مجرد مصادفة»، لكن إجابة هذا السؤال، خارج نطاقنا هنا، حيث نستعرض سويا تلك الإشارات والدلالات، ونترك التفسيرات لوقت آخر، تأكد فقط أنك شاهدت الفيلم حتى لا تتكشف لك بعض الأحداث المهمة فيه، من سياق الكلام هنا. 1- النظام العالمي الجديد وفقا لنظريات المؤامرة، فإن مصطلح «النظام العالمي الجديد/ New World Order»، يشير إلى مجموعة من النخب العالمية، تكوّن سُلطة سرية لها أجندة عالمية، حيث تتلاعب بالصناعة والإعلام والحكومات فتسيطر وتحكم العالم عن طريقها في نهاية الأمر. كذلك الحال مع منظمة «سبكتر/ الشبح» التي يواجهها جيمس بوند، ففي أحد مشاهد الفيلم تجتمع المنظمة لتناقش خططها القائمة والمستقبلية، ومن فحوى الحوار بينهم نكتشف كيف يسيطرون ويهيمنون على كافة تحركات العالم وأفراده عن طريق الاقتصاد والإعلام والصحة والسياسة وغيرهم. على جانب آخر في الفيلم، يحاول أحد كبار رجال السلطة في إنجلترا (رئيس المخابرات الداخلية MI5)، أن ينشئ تحالفا سريا بين أجهزة الاستخبارات العالمية، ليتمكنوا من الاشتراك سويا في نظام خاص يعمل على مراقبة العالم أجمع بشكل دقيق، بحجة محاربة الإرهاب، مشيرا في معرض كلامه إلى «النظام العالمي الجديد»، كما أُشير في نفس السياق إلى «جورج أورويل» الذي ألّف كتابا بنفس العنوان، نشر للمرة الأولى عام 1939، أعرب فيه عن رأيه الخاص في «النظام العالمي الجديد»، الذي يجب أن يشكل اتحادا بين دول العالم لإحلال السلام وإنهاء الحرب. إلا أن أكبر مخاوف «جورج أورويل» كانت تتمثل في العالم الواقع تحت المراقبة التامة ليلا ونهارا، وهو ما عبر عنه في روايته الأشهر «1984»، حيث يراقب «الأخ الأكبر»، رأس النظام الاستبدادي في الرواية، كافة أطياف الشعب طوال الوقت. 2- النظام من الفوضى «Ordo ab Chao».. شعار الدرجة الثالثة والثلاثون في الماسونية، وهو مصطلح لاتيني يعني «النظام من الفوضى»، ويقصد به أن المجتمعات السرية التي تؤمن بهذا الشعار، تعمل على وضع نظامها الخاص من خلال الفوضى، فإذا الفوضى نُشرت، مصاحبا لها صخب إعلامي كبير، فإن تمرير القوانين والنظم التي لم تكن لتوضع في حالات الاستقرار سيكون سهلا، ومن ثم يسود النظام الخاص بهذه المجتمعات السرية، بينما الجماهير مخدوعة ومغيبة. في Spectre، يتعرض السيناريو لهذا الشعار، في المقر السري لزعيم المنظمة التي يحمل الفيلم اسمها، والذي أنشأ مقره في صحراء طنجة، داخل حفرة كبيرة تسبب في تكونها وتواجدها نيزك سقط من السماء على تلك البقعة تحديدا، في إشارة إلى خروج منظمته (النظام) من قلب حفرة سببها نيزك مدمر (الفوضى)، وذلك كما قال في حواره مع بوند. 3- طائرات الهليكوبتر السوداء يستخدم العملاء السريون للنظام العالمي الجديد، طائرات هليكوبتر سوداء كاتمة للصوت في تنقلاتهم، حيث لا يلحظ أحد مرورهم إلا بعد مرورهم فعليا، وذلك كما تحكي نظريات المؤامرة، ولعبت دورا كبيرا في الفيلم الذي حمل اسم نظرية المؤامرة: Conspiracy Theory، للنجم ميل جيبسون والنجمة جوليا روبرتس، عام 1997. وفي Spectre، يظهر زعيم المنظمة في سماء لندن فجأة داخل واحدة من طائرات الهليكوبتر السوداء، دون أن تعترضه أجهزة الرادار أو سلاح الجو البريطاني، وبالطبع لم يلحظ أحد من المارة وجودها. 4- إرهاب الأعلام المزيفة من أركان نظرية المؤامرة، وتسمى بالإنجليزية False Flag terrorism، وهي عبارة عن عمليات تخريبية، تقوم بها الحكومة بشكل سري بحيث يبدو أن الجهات المعادية هي السبب في هذا الاعتداء ومن ثم تتحرك تلك الحكومة في عمل حربي أو انتقامي من تلك الجهات، ولعل من الأمثلة الشهيرة لذلك، الادعاءات التي انتشرت وتناقلها الكثيرون حول تفجير كنيسة القديسين في يناير 2011، وما أثير حول أن التفجير من تدبير الحكومة المصرية لتبرير الحاجة إلى استمرار قانون الطوارئ وإصدار قانون مكافحة الإرهاب، آنذاك. في Spectre، ترفض دولة ما الدخول في حلف أجهزة المخابرات العالمية لفرض نظام المراقبة الدائمة والشاملة للعالم أجمع، إلا أن حادثة إرهابية تقع في أراضيها بعد ذلك، تجبر تلك الدولة على الموافقة والدخول إلى التحالف الاستخباراتي، مع إشارة خفية لوجود تدبير أمني لتلك الحادثة، من جهة ما داخل التحالف المذكور. 5- السيطرة العقلية بعيدا عن المفهوم الخاص بروايات الخيال العلمي، فالسيطرة العقلية المقصودة هنا هي ما تحدث عن طريق «غسيل الأدمغة والسيطرة عليها فكريا»، حينما يكون صاحب هذا العقل غير قادر على التفكير بشكل مستقل، ولديه اضطرابات في معتقداته وانتمائه، وفي هذا السياق يكون المعنى المقصود بالسطرة العقلية هو: إعادة التأهيل والتعليم القسرية للمعتقدات الأساسية والقيم. ووضعت نظريات «غسيل الأدمغة والسيطرة العقلية» لشرح كيف تسيطر الأنظمة الشمولية على بلدانها، ثم اتسعت لتشمل مجموعة واسعة منها الحركات والجماعات الدينية المتطرفة. وفي Spectre، فإن المنظمة التي يواجهها «جيمس بوند» تسيطر على قطاع عريض من العاملين لديها وداخل مقرها السري، حيث يعملون بلا انقطاع وبلا أي تفاعل، يمتثلون لأوامر الزعيم كأنهم آلات متحركة، بل ومع انطفاء الأجهزة الإلكترونية التي يعملون عليها ينهضون بشكل جماعي نحو أبواب الخروج. ليس هذا فقط، بل إن زعيم المنظمة حاول إجراء عملية «غسيل مخ» لبوند، بعد وقوع الأخير في قبضته، عن طريق إجراء تعديل في عقل العميل البريطاني باستخدام آلة تثقب رأسه لإدخال إبرة إلى المخ فتؤدي المطلوب. 6- الخواتم الماسونية الخواتم التي يرتديها أعضاء الجماعات الماسونية، كما تقول الحكايات عنهم، والتي تدل على هوية الشخص الذي يرتديها والدرجة التي ينتمي لها، وهي تحمل نقوشا خاصة بالماسونية ولها درجات مختلفة من الألوان والتصميمات. وفي Spectre، يتمكن أعضاء المنظمة التي يحمل الفيلم اسمها، من حضور الاجتماعات السرية لهم عن طريق إبراز خاتم خاص في أصابعهم، للحراس الذين يؤمنون تلك الاجتماعات، وهي الوسيلة التي استخدمها بوند لحضور أحدها. بالطبع يحمل الخاتم شعار المنظمة. 7- العين الواحدة لا يحتاج هذا الرمز إلى شرح مسبق، فالغالبية العظمى تعرف «العين الواحدة» التي ترى كل شيء في عالم الماسونية، والتي تشير إلى أن أعمال وأفكار الماسونية تحت المراقبة والملاحظة الدائمة من الإله، المهندس الأعظم للكون في نظريات الماسونيين. يمكن ربط هذا الرمز بفيلم Spectre في أكثر من نقطة: - الأولى: نظام المراقبة الشاملة للعالم أجمع، والذي ذكرناه في النقطة الخاصة بـ«النظام العالمي الجديد». - الثانية: تقنية «الدم الذكي»، والتي حُقن بها بوند كي تتمكن إدارته من تتبع مكانه في أي وقت وأي مكان. - الثالثة: وهي النقطة الأبرز فيهم جميعا، فكانت عند المواجهة الأخيرة بين بوند وزعيم المنظمة، بعد إصابة الأخير في انفجار مقره، ليظهر بعين واحدة فقط بينما الأخرى عمياء ومغطاة بالدماء من أثر الانفجار، على الرغم من نجاته منه. *** في النهاية، يمكن القول أن صانعو الفيلم، قدموا رسالة للمشاهدين، مفادها أن ينتبهوا لمدى أهمية أن تظل عقولهم حرة، وألا تكون إرادتهم مسلوبة تحت أي ظرف، وألا يسمحوا لأي فكر بأن يجرهم خلفه كالقطيع، فالعقول الآدمية لها إرادتها الخاصة، وإلا لما خلقت منفردة.
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://www.bawabatii.com/news36106.html