الاثنين 3 يونيو 2024
الرئيسية - أخبار اليمن - مرحلة جديدة من تفكك وانقسام المليشيا باليمن.. المرجع الشيعي "السيستاني" ومسؤولون عمانيون يتدخلون
مرحلة جديدة من تفكك وانقسام المليشيا باليمن.. المرجع الشيعي "السيستاني" ومسؤولون عمانيون يتدخلون
الساعة 03:27 مساءً (وكالة خبر)

كشفت مصادر عدة عن تصاعد الخلافات الداخلية في أروقة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران حيث تزداد حدتها يومًا بعد آخر لتصبح تلك الخلافات قنبلة موقوتة تحت صفيح ساخن يخشى الانقلابيون من عود ثقاب يتسبب بانفجارها في أية لحظة.

وأشارت المصادر إلى تصاعد الخلافات بين القياديين البارزين "مهدي المشاط" و"محمد علي الحوثي" إضافة لوجود خلاف حاد بين القيادات العسكرية والقيادات العقائدية التي تدّعي حمل أصول هاشمية واستحقاقها بالحق الالهي في السلطة والحكم. وتستخدم هذه القيادات الآخرين في إطار الجماعة لتحقيق أهدافها، وهو ما يثير حساسية كبيرة في أوساط القيادات الحوثية الأخرى.



وتزايدت مؤخرًا الصراعات بين أجنحة المليشيا الحوثية المنحدرة من مناطق ضحيان وحيدان وخولان وسحار وساقين وجناح همدان بمحافظة صعدة (معقل ذراع إيران) والتي ينتمي لها عدد من الأسر السلالية التي كان لها دور سياسي خلال حكم الأئمة وتصارعت لقرابة 1000 عام واستخدمت الدين ووظفته للوصول إلى الحكم وهو ما اعادته اليوم بصراعها داخل المليشيا امتداداً لحسابات الإرث القديم للصراع على السلطة بين تلك الأسر.

وتكونت داخل مليشيا الحوثي عدة أجنحة ومراكز قوى تتحكم بشكل مباشر واستقلالية تامة بمخازن الأسلحة وفصائل عسكرية وموارد مالية ولديها تحالفات مرتبطة بمشايخ القبائل تكونت ونمت خلال العشر السنوات الماضية، وأصبح من الصعب على زعيم المليشيا زحزحتها أو تغييرها أو حتى استبدال احد المعينين من قبلها، وفي حال حصل ذلك قد يؤدي إلى الاقتتال بين فصائل المليشيا مما يهدد بتفككها وانهيارها.

وذكرت المصادر أن الخلافات البينية الحوثية وصلت الذروة مؤخراً بعد ما كانت تظهر من وقت لآخر عبر اشكال مختلفة يتم اخفاؤها، أو ترحيل انفجارها عبر افتعال أحداث خارجية كالتصعيد العسكري واطلاق الصواريخ والمسيرات لاستهداف السفن المارة في البحر الاحمر لاشغال الرأي العام وقياداتها بذلك لاخفاء التصدع الذي يستشري بشكل متسارع في أعلى هرم الجماعة.

منذ حروب التمرد الست في صعدة وحتى الانقلاب الحوثي المسلح واجتياح صنعاء، لم تكن قيادات الصف الأول لمليشيا الحوثي متصارعة ومتنافسة كما هي اليوم وسط حالة الحرب الخفية ومحاولة تقديم نفسها في الاعلام انها متماسكة وغير متصدعة، بعكس الواقع الذي يؤكد تشظيها عائلياً حد الانقسام والصراع لتصبح منقسمة وموزعة بين ثلاثة أجنحة تخوض صراعات متعددة الأشكال والأوجه ومختلفة الاسباب بين ما هو أسري وسياسي وبعضها يرجع لنزاعات على المناصب ولأسباب مالية.

تلك الأسباب زادت من حدة الانشقاقات داخل الأسرة الحوثية والتي يتصاعد فيها الصراع على مستوى الصف الأول حيث يقود "عبدالملك الحوثي" احد أجنحته المتعددة والمتنافسة، وجناح آخر يقوده ابن عمه القيادي "محمد علي الحوثي" رئيس ما تسمى اللجنة الثورية وعضو المجلس السياسي الاعلى والشخصية الأكثر نفوذاً في مناطق الجماعة والذي يتحين الفرصة للانقضاض والإطاحة بـ"عبدالملك الحوثي" من قيادة الحركة والأسرة.

يحاول "عبدالملك الحوثي" من وراء حجاب من مخبأ مجهول منذ عشر سنوات الظهور كزعيم لجماعة الحوثيين، ومرجعاً دينياً ومرشدا أعلى في استنساخ لنظام الملالي الإيراني، لكنه لم يتمكن من تنفيذ تعهداته التي أعلنها في سبتمبر (أيلول) الماضي باجراء «التغييرات الجذرية» في محاولة لامتصاص غضب المطالبين برواتبهم.

تلك المحاولات بدأها زعيم المليشيا بإقالة الحكومة، غير المعترف بها، وتكليفها بـ«تصريف الأعمال» ولكنها كشفت عن فشله الذريع في اجراء التغييرات الجذرية وتبديل المسؤولين "المزريين" التابعين له كما اسماهم في أحد خطاباته، وانه أصبح مسلوب القرار داخل مراكز القوى داخل المليشيا وفتحت جبهة صراعات بينية داخل قيادات الصف الأول التي تحاول الهروب من تحويلها إلى كبش فداء للفساد المهول.

أما القيادي البارز "محمد علي الحوثي" الذي يقود صراعًا خفيًا لإزاحة "مهدي المشاط" ليكون بديلاً عنه، بعد تعيينه عضواً في المجلس، بعد أن كان رئيسا لما تسمى اللجنة الثورية العليا قبل حلّها ويترأس حاليًا قطاع العدل والأمن ويمتلك نفوذاً واسعاً بين أبناء القبائل، بينما يترأس خصمه القيادي البارز "أحمد حامد المراني" مدير مكتب رئيس مجلس حكم الانقلاب "مهدي المشاط"، ويتزعم الجناح الذي يتحكم بأموال المعارضين والقطاع التجاري والتسهيلات ويشرف على جناح أمني خاص ويدير عددًا من اللجان المنافسة، بما فيها القطاع الإداري للدولة المختطفة.

وينظر عبدالملك الحوثي لابن عمه محمد علي الحوثي كخطر حقيقي يهدده وسط اتهامات مباشرة عن علاقة الأخير بتصفية "ابراهيم بدر الدين" شقيق زعيم المليشيا الذي اغتيل في مطلع أغسطس 2019م في إحدى الشقق بحي حدة بصنعاء، وهو ما دفع زعيم المليشيا للبقاء متخفياً وعدم الظهور والخروج للعلن أو حتى مقابلة أي من قيادات الصف الأول للجماعة والمواطنين منذ الانقلاب بناء على توجيهات وأوامر إيرانية خشية تعرضه للتصفية.

ويعد هذا الصراع المتنامي احد الصراعات العميقة داخل تكوين أسرة الحوثي والذي يتمحور بين 15 هم أشقاء للأب الروحي "بدر الدين" من 4 أمهات وأبرزهم شقيقاه "محمد" المرجعية الدينية والقيادي الميداني "حميد" اللذين أخفيا قسراً على يد زعيم المليشيا منذ العام 2018م، فيما يشغل "يحيى" حاليا منصب وزير للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب غير المعترف بها والذي غاب عن الظهور في وسائل الاعلام التابعة للجماعة منذ ستة أشهر بشكل ملحوظ، اما "عبدالخالق" فيشغل منصب قائد المنطقة العسكرية المركزية الى جانب عمله قائدا لقوات الحرس الجمهوري، في ظل ترتيبات زعيم المليشيا لنجله "جبريل" لخلافته حال مقتله أو وفاته.

حصر الإمامة بالبطنين

ويدفعنا ذلك للعودة قليلاً الى الوراء الذي يعيد نفسه اليوم، فقد كان الإمام "أحمد حميد الدين" ابان حكمه في ستينيات القرن الماضي، يتمتع بسلطات مطلقة لا يحدها شيء، وفي الثورات المتعاقبة ضد حكمه، كان أبناء عائلته يتآمرون ضده خصوصاً وأن المبدأ النظري المتمثل في كون الإمامة ليست وراثية، وتجوز في حق كل حسني أو حسيني من السلالة أي "حصر الامامة بالبطنين" وان يخرج ويدعو لنفسه بالإمامة، هذا المبدأ أورث محاذير وأعراضاً عدة انعكست على واقع الحكم وهي نموذج لتاريخ طويل للائمة الزيدية والقتال فيما بينهم لاستحقاق الإمامة حتى ان ابنه "محمد البدر"، خطط لاغتياله في نموذج لتلك الصراعات البينية التي استمرت طيلة خمسة قرون من حكم الائمة الهادوية.

يتركز الصراع داخل الأسرة الحوثية على الولاية كما كان صراعات الأسر الإمامية السلالية المتعاقبة التي ظلت في صراعات وحروب مستمرة خلال 100 عقد من الزمن في أكثر من مكان شمال اليمن، وكل فرد فيها يعتبر نفسه فيها احق من الآخر فالقيادي "محمد علي الحوثي" يؤمن بأحقيته في تزعم الجماعة وتولي الولاية وهو ما يثبته عبر محاولته الدائمة لتصدير نفسه عن انه الآمر الناهي في كل أمور وقرارات المليشيا بمناطق نفوذها.

وبالمقابل يتمسك عبدالملك الحوثي بزعامة الجماعة ويعتبر نفسه المرشد الأعلى والوريث الشرعي لشقيقه الصريع "حسين بدر الدين الحوثي" مؤسس الحركة ويتهم ابناء عمومته وبالاخص محمد علي الحوثي بمحاولة التسلق على حساب الإرث وتضحيات أسرة المرجع الديني بدر الدين الحوثي الذي احتكر لابنه المدلل "عبدالملك" زعامة المليشيا كونه ابن زوجته الصغرى.

ويحاول القيادي محمد علي الحوثي الاطاحة بـ "عبدالملك الحوثي" من قيادة الأسرة والجماعة عبر بنائه منذ سنوات قوة منافسة خاصة به داخل المليشيا وتأسيس أجهزة وهياكل أمنية واستخباراتية منفصلة وغير خاضعة لسلطة زعيم المليشيا واشقائه ويسعى بواسطتها للسيطرة على زعامه الحركة والتحكم بجميع قراراتها وحسم الصراع والتنافس داخل كيانها لصالحه.

مرحلة جديدة من التفكك والانقسام داخل مليشيا الحوثي الذراع الإيرانية لم تعد منحصرة على الانقسام السائد في جناح محمد علي الحوثي من جهة وجناح احمد حامد والمشاط من جهة أخرى، بل امتدت حالة التفكك والانقسام إلى قيام جناح الأخير بالتمرد منذ اعلان زعيم المليشيا اعتزامه تنفيذ اجراءات ما يسمى "التغيير الجذري" في الآونة الأخيرة.

وهو ما كشفه رئيس مجلس النواب الخاضع للحوثيين يحيى الراعي خلال جلسة برلمانية قبل أيام عن تكليف زعيم المليشيا وتشكيله لجنة برئاسة القيادي سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الاعلى للجماعة لاتخاذ إجراءات بإيقاف وزير الصناعة والتجارة عن العمل والتحقيق معه والمتورطين إلى جانبه، إضافة إلى إلغاء قرار تشكيل الغرفة التجارية والصناعية الصادر عن الوزير وتنفيذ حكم المحكمة العليا ببقاء الهيئة السابقة للغرفة على وضعها، وكذلك إلغاء القرارات التعسفية التي صدرت بحق كثير من الشركات والمؤسسات التجارية، وهو ما تجاهلها رئيس مجلس الانقلاب مهدي المشاط ومدير مكتبه احمد حامد، إلى جانب رسالة أخرى تجاهلها أيضا صادرة إليه من مجلس النواب بصنعاء بشأن ذات الموضوع.

بحسب تصريح رئيس برلمان الحوثيين، فإن رئاسة مجلس سلطة الانقلاب تجاهلت توجيهات زعيم المليشيا ورسالة البرلمان بشأن ذات الموضوع وذات الإجراءات، والذي اضطر البرلمان لإرسال رسالة أخرى ومنح سلطة حكم الانقلاب عشرة أيام لتنفيذ توجيهات زعيم المليشيا في مؤشر على وجود صراع كبير بين زعيم المليشيا وبرلمان الانقلاب من جهة ورئاسة سلطة الانقلاب من جهة أخرى.

رسالة البرلمان الخاضع للحوثيين الى رئيس مجلس الانقلاب "مهدي المشاط" لم تكن بخصوص امتناع القيادي الحوثي محمد شرف المطهر المعين وزيراً للصناعة والتجارة من الحضور إلى مجلس النواب، ولكن هناك ثلاثة وزراء جلهم من صعدة (معقل المليشيا) متمردون عن الحضور الى المجلس هم وزير المالية رشيد ابو لحوم ووزير التربية والتعليم يحيى بدر الدين الحوثي ووزير الشباب والرياضة محمد حسين المؤيدي حفيد العلامة الجارودي مجدالدين المؤيدي الذي تعتبره المليشيات أحد أبرز أعلامها المذهبية.

تلك الصراعات وصلت مستويات الصف الأول في اعلى هرم المليشيات وتتوسع حدتها ويزداد اقطابها وادواتها في ظل محاولة كل طرف الاستئثار بالنفوذ والمناصب والاموال على حساب الطرف الآخر حتى وصلت حد التصفيات بين القيادات وتلك الاجنحة في صنعاء والمناطق المتبقية تحت سيطرة الانقلابيين كان آخرها مصرع القيادي السلالي "عبدالهادي عبدالله بن علي الامير" بصنعاء.

تصفيات

ومنذ الانقلاب تعرضت قيادات حوثية بارزة لعمليات التصفية الجسدية ضمن الصراع الداخلي لاجنحة المليشيا، ابرزها اغتيال كل من رئيس مكون المليشيا في مؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد شرف الدين، والدكتور محمد عبد الملك المتوكل، والدكتور عبد الكريم جدبان، والصحفي عبد الكريم الخيواني، والقيادي حسن زيد، والعلامة زيد المحطوري، والعميد الركن عبدالله محمد الكبسي عضو مجلس النواب، والعشرات من القيادات ذوي مستويات مختلفة في أوساط المليشيا.

وتوقع المحامي عبدالفتاح الوشلي -موال للمليشيا- في منشور على منصة "فيسبوك"، "موجة اغتيالات جديدة خلال الفترة القادمة" متهماً طرفا ثالثا لم يسمه غالبا بالوقوف خلفها. لم يشر الى الطرف الثالث اكان ضمن اجنحة المليشيا أو من خارج كيانها المتصارع.

وكشف المحامي الوشلي عن احتدام الخلاف داخل القيادات الحوثية حول من يتولى استلام اموال وافقت السعودية على اعطاء جزء منه لـ"إعادة اعمار اليمن" للحوثيين وجزء آخر للأمم المتحدة، وهذا هو سبب احتفاء الحوثيين بزيارة الوفد السعودي لصنعاء مؤخراً وموافقتهم حتى على تنازلات تخص المنطقة الآمنة بالحدود اليمنية السعودية. حد قوله.

وتشير معلومات لمصادر مقربة من المليشيا، إلى أن المرجع الشيعي الجعفري "علي الحسيني السيستاني" ومسؤولين من سلطنة عمان تدخلوا مؤخرا في وساطة بين قيادات مليشيا الحوثي بعد احتدام الخلافات بين صفوف قيادات الصف الأول بالجماعة.

يأتي هذا في ظل غياب حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني من الوساطة خصوصا مع تنافس "نصر الله" و"الحوثي" وكلاء طهران بالمنطقة على ادعاء كل منهما انه "الامام المهدي" الذي ينتظره الشيعة، وانتقاد زعيم الحوثيين بشكل ضمني "نصر الله" واتهامه بعدم الجدية بمواجهة اسرائيل وإعلانه جماعته مطلع مايو الجاري بدء تنفيذ مرحلة رابعة من التصعيد في هجماتها التضامنية مع غزة في استهداف السفن الغربية والإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة في البحر الأبيض المتوسط - نطاق نفوذ حزب الله اللبناني.

وكشف تقرير خريطة تلك الصراعات نشره المعهد الامريكي (اكليد) والمتخصص في جمع بيانات النزاعات المسلحة ان تلك الصراعات تحولت الى اكثر من 40 حملة عسكرية خلال العام الماضي منها تصفيات حسابات دارت بين اجنحة ومراكز قوى لمليشيا الحوثي الارهابية ومنها حملات على مناطق وقبائل يتنافس عليها المتصارعون من قادة المليشيا وقتل فيها عشرات الحوثيين والمدنيين.

صراع متجذر

للصراع داخل هذه المليشيات ارث تاريخي متجذر على الجاه الديني والسلطة بين جناح الأسر السلالية التي تعاني من اغتيالات لرموزها وتهميشها وتجريدها من مصالحها ومناصبها بقوة السلاح وجناح الأسر السلالية التي تتبنى الخطاب الثوري الاقصائي القادمة من صعدة وتمتلك القوة عبر علاقتها المباشرة مع زعيم المليشيا.

الجناح الحوثي السلالي الصاعد من جبال صعدة والمتربع على رأس هرم السلطة تصادمت مصالح قياداته وتصاعدت منه اقوى النزاعات كونه الفصيل المستحوذ على السلطة والثروة والقرار.

وسبق أن وثق تقرير الخبراء الدوليين عن وجود صراع نفوذ وتصفيات بين القيادي "احمد حامد المراني" والذي تربطه علاقة مع زعيم الحركة وبين "محمد علي الحوثي" حيث وصل الصراع الى تجريد المحاكم من صلاحياتها واستلاب القضاء استقلاليته في حرب اخرى للسيطرة على المؤسسات الايرادية.

الممعن في قراءة التاريخ يجد ان جدار وحدة المليشيا رقيق ويتآكل من الداخل بصراع نفوذ وتكتلات متسلسلة من الاعلى الى الاسفل تستخدم فيها كل وسائل القوة والادوات التجسسية والاستخباراتية، كما يقول تقرير الخبراء الدوليين المعني باليمن ليكشف عن نهاية سيئة شبيهة بنهاية الأئمة السابقين لن يطول بقاؤها طي الكتمان.


آخر الأخبار