آخر الأخبار


الاربعاء 25 يونيو 2025
لم أكن أعلم حين كنت عند الطبيب المصري ربيع ثروت في الوحدة الصحية أنني سأكون شاهدا على قصة من أعجب ما عاشه هذا الطبيب في اليمن.!
لقد جاء أحد الشباب يتصبب عرقا ويتلعثم في كلامه ويفرك أصابعه لشدة قلقه وتوتره:
_ أرجوك يا دكتور أختي مريضة وبحالة خطيرة جدا.
_ ما جبتهاش ليه؟!
_ تعبانة جدا. أرجوك تعال معي وشوفها بنفسك.
ألتفت إلي الطبيب قائلا:
_ أنت تعرفه؟!
_ بصراحة لا.
طلب الطبيب منه أن يشرح تفاصيل مرضها ليعطيها العلاج لكنه أصر على أن يأتي الطبيب ويفحصها بنفسه ويعطيها العلاج.
رفض الطبيب الذهاب فأجهش الشاب بالبكاء وهوى يقبل أقدامه ويتوسل إليه فأمسكت به ورفعته وطمأنته بأن الطبيب سيأتي وأنا سأرافقهم.
سألت الشاب عن قريته فأخبرني فوجدتها قرية بعيدة وبرأس جبل والطريق إليها وعرة جدا لكن تأثري بقصة هذا الشاب دفعني لأؤكد للطبيب أنها قريبة وأحثه على الذهاب.
عاد الطبيب يسأله:
_ كلمني عن مرض العيانة علشان آخذ معايا الدواء.
_ تتشنج وتصيح..
_ وإيه كمان؟
_ وخلاص.
_ ما فيش حاجة تانية؟
هز الشاب رأسه نافيا فجهز الطبيب بعض الأدوية والمستلزمات الطبية في حقيبة وناولها الشاب ليحملها ومضينا..
في منتصف الطريق ألتفت الشاب إلينا وسألنا:
_ تقولوا ممكن تولد ؟
توقف الطبيب عن المشي قائلا:
_ الله يخرب بيتك هي حامل وهتولد؟!
فوجئ الشاب بتوبيخ الطبيب فنكس رأسه وسكت بينما صاح الطبيب:
_ ما قلتليش ليه أن هي حامل وهتولد؟!
_ أستحيت.
وحين سأله الطبيب عن مدة الحمل أكد أنه لا يعرف لكنه ما يعرفه أن زوجها سافر قبل خمسة أشهر.
قال الطبيب:
_ ما يمكن حملت قبل سفر جوزها بفترة كبيرة. هي بطنها كبيرة؟
_ أيوه كبيرة.
عدنا أدرجنا لنأخذ أدوية خاصة بالتوليد.
بعد أن أغلقنا الوحدة الصحية ومشينا من جديد مسافة نصف ساعة تحت حر الشمس وإذا بالشاب يسألنا:
_ تقولوا الطرش قد توقف عندها؟!
صاح الطبيب:
_ هي عندها طرش ؟!
_ أيوه.
_ وما قلتليش من الأول ليه؟!
_ أستحيت.
ضحك الطبيب ساخرا وقال:
_ خايف أمشي شويه تقولي عندها حاجة تانية.
نكس الشاب رأسه وسكت بينما عاد الطبيب غاضبا وتبعناه بصمت إلى الوحدة الصحية مرة ثانية.
وضع الطبيب عدة علاجات في الحقيبة وعدنا.
مشينا لمسافة فقال الشاب:
_ تقولوا..فقاطعه الطبيب:
_ لو قلت حاجة هرجع فورا.
سكت الشاب ومضينا والشمس تشوينا والعرق يتصبب منا، ومضت نصف ساعة ونحن نمشي بصمت ولا نسمع الا وقع أقدامنا.
بعدها سأل الطبيب:
_ هي فين قريتكو دي ؟
_ في أكمة الصرور يا دكتور.
_ فين كومة الصراصير دي ؟!
وشرحت له أن أكمة تعني: تل والصرور: طيور زي الحداية.
_ أيوه فين هي دي ؟
أشار الشاب بأصبعه إلى رأس جبل مرتفع فجحظت عينا الطبيب وشحب وجهه:
_ الله يخرب بيوتكو أنا هطلع كل الجبل ده؟! ليه هو أنا قرد ؟!
وكر راجعا فوضع الشاب الحقيبة على الأرض ورأيت في وجهه الإنكسار فأسرعت أوقف الطبيب وأرجوه أن يعمل معروفا وينقذ هذه الإنسانة.
نظر لي غاضبا:
_ يا محمد أنت قلت لي قريبة ؟! دي قريبة للسماء مش للأرض.!
_ أرجوك يا دكتور ربيع..
_ أنا عايز هيلوكبتر تشيلني لهناك.
في الأخير وافق الطبيب على مضض بأن نمضي إلى هناك قائلا بسخرية:
_ هي موتة والا أكتر؟!
وحين بدأنا نصعد الجبل كان الطبيب يسيل عرقا وقد أحمر وجهه وهو يزفر وينفخ ويتعثر ويكاد يسقط وأنا أمسكه.
قطعنا ثلث المسافة في الجبل فتوقف الطبيب عند عين الماء وشرب ثم غسل وجهه وهو يقول:
_ لا لا مش قادر دانا رجلي ورمت.
صمت أنا والشاب.
أسترحنا لنصف ساعة ثم واصلنا سيرنا حتى قطعنا ثلثي المسافة وحينها تهاوى الطبيب وهو يقول:
_ لا لا بجد مش قادر.
أسترحنا لساعة ثم رجوته بأن نمضي فلم يبق الا القليل.
وعلى مضض واصلنا صعودنا، كانت بعض الأغنام ترتعي دون مبالاة بمرورنا بينما الطبيب يصعد ببطء وهو يزفر ويلهث وقد غسله العرق بينما صار وجهه جمرة حمراء ملتهبة.
وحين وصلنا قمة الجبل ورأينا قرية الشاب جلس الطبيب على حجر قائلا:
_ شوفوا لي حمار ولا أي حاجة أركب عليها مش قادر أمشي خطوة.
ذهب الشاب وعاد بحمار قد وضع فوقه بطانية جديدة، ورفعنا الطبيب على ظهر الحمار وسرت بموازته حتى لا يسقط، وهبت نسائم منعشة واوقف الطبيب الحمار قائلا:
_ ياااه دي الاطلالة من هنا ترد الروح.
وظل ينظر بدهشة في كل الاتجاهات، ويسأل عن أسماء القرى والشاب يجيبه، ثم واصلنا سيرنا ودخلنا القرية فتحلق حولنا الأطفال ثم ساروا خلفنا، ولما أقتربنا من منزل الشاب سمعنا صرخة قوية من تلك المرأة ثم صراخ المولود فقال الشاب:
_ الحمد لله ولدت. فرج الله عليها.
قال الطبيب:
_ فرج الله علي أنا، يا ما أنت كريم يارب.
أنزلنا الطبيب من ظهر الحمار ودخلنا المجلس فأستقبلنا والد الشاب وشقيقه وشربنا الماء وألتقطنا أنفاسنا.
وحين نظر الطبيب إلى أقدامه صاح:
_ يا نهار أسود. دي رجليا ورمت وأحمرت.
أعطاهم بعض الأدوية والفيتامينات للمرأة ثم مدد رجليه وطلب ماء دافي مخلوطا بالملح.
وضع أقدامه في الماء الدافي والملح وهو يوبخني لأنني جئت به إلى رأس الجبل.
ثم طلب فراشا وتمدد عليه، كان الأطفال ينظرون إلينا من الباب الداخلي والنوافذ فسألهم بسخرية:
_ بتبصوا على إيه؟!
زجر الشاب الأطفال وطردهم.
لم تمض نصف ساعة حتى كان الطبيب يرتجف من الحمى فقد أصيب بضربة شمس، تناول بعض المهدئات ولكن دون جدوى، وظل يهذي ويثرثر ويدعو علي.
قلت له:
_ مش حتقوم تشوف العيانة.
رد علي ساخرا:
_ أشوف مين دا أنا عايز حد يشوفنا.!
ثم جاءت عجوز فدهنت قدميه ببعض الزيوت وسقته منقوع أعشاب. وتعافى خلال يومين.
وهبطنا من الجبل وعدنا إلى الوحدة الصحية وهو ما يزال يدعو علينا ويدعو لتلك العجوز.!
نهاية وظيفة إيران… أميركيّا وإسرائيليا
بين غزة وإيران
وائل الصلوي، ابن اليمن في نيويورك
فضيحة سياسية وأخلاقية مدوية لنظام الملالي
بيان يصحّح البوصلة.. لا يهاجم السفينة