آخر الأخبار


الاربعاء 14 مايو 2025
بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقف على منصة منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في الرياض، يعلن أمام العالم أن الشرق الأوسط يُعاد تشكيله، كانت السماء تكتب مشهداً آخر.
صاروخٌ حوثي، بصناعة إيرانية، يشق طريقه نحو مطار بن غوريون في إسرائيل.
ترامب، بنبرته التي يعرفها الجميع، كان يضع النقاط على الحروف.. حديث عن تطبيع مع دمشق، حوار مع أنقرة، تهدئة مع الحوثيين الذين "اشتدّوا حتى خضعوا"، ورفع للعقوبات عن سوريا في نسختها الجديدة.. وكل ذلك ضمن تفاهمات إقليمية كبرى، بطلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كما أكدها ترامب، قبل أن يصفق ولي العهد لذلك بحرارة ليعلن للمنطقة نحن أوفياء مع من يبادلنا الوفاء ، فهل تعي بيروت وبغداد ، و العاصمة المؤقتة عدن ذلك كما فعلت دمشق.
لكن في الكواليس، كان هناك من يراقب المشهد من خلف الستار؛ من طهران، من صنعاء المحتلة ،من الضاحية الجنوبية. يعلمون أن الطاولة قد أُغلقت، وأن الملفات أُحرقت، وأن الرياض وقّعت.
كان بمقدورهم.. لو أرادوا.. أن يجعلوا الصاروخ يغير مساره، أن يستهدف الرجل الذي يُعلن نهاية مشروعهم، أن يحوّل اللحظة من استعراض سياسي إلى مشهد دموي يغير معادلات التاريخ.
لكنهم اختاروا أن يكون صاروخاً يتيماً، يستهدف أرضاً فارغة في مطار إسرائيلي، في رسالة رمزية خاوية لا تغيّر شيئاً ولا تصيب أحداً.
وكأنهم قالوا.. لا تحرجونا مع طهران، دعونا نحفظ ماء وجه شعاراتنا.
في الرياض، تُرسم خرائط النفوذ لتُحرق أوراق الوكلاء، لم تعد واشنطن وحدها من تقرر، ولا موسكو وحدها من ترسم، ولا طهران وحدها من تعبث.. ثمة عاصمة اسمها الرياض، تكتب من خلف جدرانها ملامح المشهد الجديد، وتقرر من يبقى ومن تُلقى ورقته في سلة مشاريع الخسارة.
في المنتدى، الذي بدا اقتصادياً في مظهره، كان يحمل بين سطوره استعراضاً للنفوذ السياسي الخليجي المتنامي. محمد بن سلمان، بهدوئه المعتاد، يهمس في أذن العالم.. المستقبل يبدأ من هنا.
ترامب لم يتوقف عند سوريا، بل مرّ على أردوغان الذي تحوّل إلى وسيط بين روسيا وأوكرانيا برعاية خليجية.. لم ينسَ الإشارة إلى الحوثيين الذين هدأوا بعد تهديدات مباشرة، ولم يتجاهل حلم سلام هش بين الهند وباكستان، وبين عبارة وأخرى، كان يستعرض جيشاً بميزانية دولة كبرى،تتجاوز تريلون دولار وسلاحاً "لن يتردد في فرض السلام بالقوة متى لزم الأمر."
وفي الخلفية، كانت يد ولي العهد السعودي توقع اتفاقيات استراتيجية مع واشنطن.. في الطاقة، التعدين، القدرات الدفاعية، التعاون الصحي، المهام الفضائية ضمن برنامج أرتميس، مكافحة الأوبئة، تنظيم النقل الجوي، الشراكات القضائية، إدارة الموارد البيئية، بل وحتى التعاون في الأبحاث الأثرية والثقافية.
لم تكن تلك مجرد صفقات استثمارية، بل رسائل سياسية موقّعة بالحبر والمصالح.
المشهد بات مكشوفاً.. الرياض تكتب التاريخ وتعيد تشكيل المعادلات.
من تبقى من وكلاء طهران في اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، ليسوا أكثر من أوراق محروقة على طاولة صفقة أكبر.
الحوثيون، الذين اعتادوا الصراخ بـ"الموت لأمريكا"، يبعثون برسائل التهدئة.
دمشق، التي طالما عاندت، أصبحت اليوم في هيئة جديدة، متماشية مع المشهد العربي الجامع.
أردوغان، الذي اعتاد المشاغبة، صار يتوسط النزاعات بحسابات خليجية دقيقة بحسب تقديري وكما قلت هذا سابقاً حينما حصل التغيير الاخير في دمشق ليطيح بالاسد ويحل بدلاً عنه الشرع.
وكل ذلك يجري، لا في واشنطن، ولا في موسكو، بل في الرياض.
في الخلفية، ظل هناك من لم يستوعب المشهد بعد..ذاك الصاروخ الذي حلق في السماء.. ولم يُحدث فرقاً،بينما كان ترامب يتحدث، كان بإمكانهم أن يجعلوا منه أكثر من مجرد رسالة فارغة، أن يوجّهوا الضربة نحو الرجل الذي أعلن نهاية مشروعهم، أن يحولوا تلك اللحظة إلى جرح غائر في تاريخ الإقليم.
لكنهم آثروا أن يكون صاروخاً يتيماً، بلا أثر، يستهدف أرضاً فارغة، في محاولة للحفاظ على ماء وجه الميليشيا أمام مرشدها.
على العالم أن يدرك، ما أدركه محمد بن سلمان مبكراً أن رؤية 2030 ليست مجرد ورقة اقتصادية، بل مشروع سياسي شامل يعيد تموضع السعودية كلاعب إقليمي أول، ويدفع بالرياض لتكون عاصمة القرار الخليجي والعربي، وربما لاحقاً مركز الثقل في معادلات الشرق الأوسط.
فالعالم بدأ يدرك أنه لا حرب في اليمن، ولا تهدئة في سوريا، ولا تفاهم في العراق، ولا إنقاذ للبنان، دون توقيع سعودي.
المستقبل الذي اعتاد أن يُكتب في عواصم الرماد، سيكتب هذه المرة في مدينة تعشق الضوء، وتجيد إدارته.
لماذا الآن؟
الإجابة تكمن في المعادلة الجديدة التي ترسمها الرياض.
لم تعد تدير الملفات من موقع التبعية، بل من موقع القوة.
لم يعد هناك قرار إقليمي يمكن تمريره دون المرور عبر البوابة السعودية.
وهو تحول استراتيجي، لم يكن وارداً حتى قبل عقد من الزمان.
هذه ليست مجرد حسابات سياسية، بل إعادة تعريف للدبلوماسية الخليجية؛ فلم تعد السعودية قوة نفطية فقط، بل صارت لاعباً رئيسياً في صياغة توازنات القوى.
وما زال هناك من لم يستوعب المعادلة بعد.
اما المفارقة الأخيرة يدونها المشهد الذي أصبح مكشوفاً أمام الجميع، ليظل سؤال ساخر يتسلل كابتسامة جانبية
ماذا بقي ليقوله ترامب إذا زار الدوحة أو أبوظبي.. أكثر مما قاله في الرياض؟
عليه أن يمتطي طائرة تميم ويحلق عالياً.. فقد قال في الرياض كل شيء، ولم يدع شيئاً ليقال.
خلص الكلام.
عن طارق صالح مرة أخرى: ما بين لعنة الإرث وامتحان الجمهورية
السعودية.. وطن لاتربكه العواصف
عن الانسان والسياسي المختلف
ترامب وبن سلمان وفقراء العرب … هل تستطيع السعودية القيام بالمهمة؟