الجمعة 13 يونيو 2025
ملكة الغناء الشعبي اليمني .. وداعاً
الساعة 08:23 مساءً
خالد الرويشان خالد الرويشان

وارينا الفنانة الكبيرة تقية الطويلية الثرى بعد الصلاةِ عليها.. تقاطر المشيِّعون تحت شمس يونيو الساطعة الحارقة وكأنهم صورةٌ من شخصية الفقيدة الراحلة: بساطة المرأة اليمنية وصراحتها وقوة شخصيتها واعتدادها بنفسها درجة الكبرياء وشجاعة الموقف وقبل ذلك وبعده نقاء الفنان.
أقول ذلك عن معرفة بشخصية الراحلة الكبيرة وسيرة كفاحها الاجتماعي النادر
لقد رأيت اليوم في ساعة وداعها الأخير وجوهاً ناضحةً بالحب والوفاء والتقدير لفنانةٍ يمنيةٍ قدّمت الكثير لبلادها ولشعبها طوال 70 عاماً من العطاء والتوثيق للفن الشعبي اليمني.
هي أقوى صوت نسائي يمني وخصوصا في ارتفاع الصوت شجناً وقوة
كما أنها أفضل فنان إيقاعي بالصحن ويكفي أن تستمع لإيقاعها مع الفنان المرحوم محمد حمود الحارثي في عليك سمّوني وسمسموني أو في السنا لاح في مباراةٍ شائقة كفرَسَي رهان بين العود والصحن لا ثاني لها في الغناء اليمني كله! 
وبالمناسبة فقد كان احترامها وتقديرها للفنان الحارثي بلا حدود
عندما أقول شجاعة الموقف فأنا أعني ما أقول!
شجاعة امرأة يمنية تصر على الغناء منذ أواسط خمسينيات القرن العشرين وهي دون العاشرة! كانت الإمامة تحرّم الغناء
وكان الرجال ممنوعين من الغناء إلاّ فيما ندر ما بالك بالنساء!
ولذلك، فإن طريق الفنانة الكبيرة كان خطِراً وملغوماً درجة محاولة تسميمها وحتى محاولة قتلها بالسلاح!
ولذلك، لا بد من الاعتراف بأهمية دورها التنويري والتثويري السابق لزمانه والشجاع في ذلك الوقت المبكر قبل سبعين عاماً 
ثمة صفة تمتاز بها هذه الفنانة عن بقية الفنانين والفنانات على حدٍ سواء: اعتدادٌ بالنفس درجة الكبرياء! حتى أنها تتعامل مع كبار موظفي الدولة نداً لِنِد! 
ثمة واقعة غريبة وطريفة تنم عن شخصيتها القوية الشجاعة
وسأسمح لنفسي أن أذكرها لأول مرة بعد تردد
عقِب رحيلي عن وزارة الثقافة بساعات في أبريل 2007 فوجئت بخبر نقله إلي فنانون شباب تشكيليون بأنه تم تنظيم تظاهرة في ميدان السبعين لعشرات من الفنانين والتشكيليين والأدباء يطالبون بعودة الأستاذ خالد لوزارة الثقافة!
وأن بعضهم وصل من عدن وأبين والضالع!
شعرتُ بحرج شديد! فلا أنا قادرٌ على ثنيهم عن قرارهم فضلاً عن أن ذلك لا يليق بي ولا بمشاعرهم النبيلة! ولا أنا قادرٌ على شكرهم حتى لا يُظن أنني شجعتهم! ولا أنا مستعد للعودة بعد صدور القرار أصلاً! بالإضافة إلى أنه لن يفهم مشاعر هؤلاء الشباب ودوافعهم أحد!
سألت: من يقود المظاهرة؟ قيل لي أنها الفنانة تقية الطويلية والتشكيلي الكبير عبدالجبار نعمان والفنان الكبير المحتجب يحيى العرومة والتشكيلي وليد دلّة ومحمد ثامر وآخرون قدِموا من عدن وأبين .. كانوا قد سافروا طوال الليل الفائت!
علم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بالتظاهرة قُبيل الظهيرة بقليل وسأل عن أهم شخصياتها .. فذكروا له أهم رموزها فأمر باستدعاء الفنانة الراحلة وإحضارها وحيدةً بسيارة إلى دار الرئاسة فوراً!
بشجاعة وقفت أمامه معاتبةً ورافضةً لقرار التغيير! وقالت: هذا ليس كلامي وحدي هذا كلام الفنانين كلهم سير شوفهم بنفسك في ميدان السبعين!
قال لها مندهشاً من جرأتها : خلاص القرار قرار دولة صدر ولا عودة عنه!
قالت له إلا خالد الرويشان!
فرد عليها بصوتٍ غاضب: غيّرت عبدالله البشيري من الحكومة وهو صاحبي عاد انتي عند خالد الرويشان!
وعندما حاولَت محاججته نهرها صارخاً في وجهها حتى انهارت بالبكاء وهي التي لا تبكي بسهولة!
غادرت الفنانة الراحلة دار الرئاسة باكية منكسرة صوب الفنانين المنتظرين لها في ميدان السبعين!
وبعد دقائق فوجئ المتظاهرون بموكب الرئيس وقد وقف أمامهم للحظات متأملاً مندهشاً من تظاهرة لا سابقة لها لفنانين من أجيال مختلفة يطالبون بعودة وزير لوزارته بعد قرار تغييره!
والأعجب أنها لم ترو لي تفاصيل مقابلتها للرئيس إلا بعد أشهر!
لم تكن مهتمةً بأن تخبرني بما حدث أو أن تستعرض بموقفها!
وربما وجبت الإشارة هنا إلى وقائع مشابهة وطريفة ومحرجة للرئيس الراحل حدثت من فنانين وأدباء كثر حين التقوا به وخصوصا في المحافظات الجنوبية محتجين على ذلك التغيير الطبيعي لمقاليد وزارة! حتى أن شاعراً في الضالع رفع كتاب تكريمه التذكاري في اجتماعٍ عام أمام الرئيس في مدينة الضالع قائلاً: لقد كرمني خالد الرويشان ولا أحتاج لتكريم أحد! وآخر في المكلا هو الفنان الكبير أبوبكر التوي!
حتى تم استدعائي إلى عدن لمقابلة الرئيس الذي فاجأني بالقول: الناس زعلانين من تغييرك ويريدون عودتك للوزارة! فأجبته بتلقائية سريعة: أعوذ بالله! فأجابني .. طيب أريدك معي في زيارتي للمحافظات!
لكن الرجل طار في صباح اليوم التالي إلى ألمانيا!
ولأعود أدراجي إلى صنعاء في ظهيرة نفس اليوم!
رحمة الله تغشى رائدة التنوير الاجتماعي و فقيدة الفن الشعبي اليمني الفنانة الشجاعة والصوت الشجي النادر تقية الطويلية
 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار