الأحد 15 يونيو 2025
عن معاداة السامية
الساعة 07:44 مساءً
مروان الغفوري مروان الغفوري

حتى ما قبل السابع من أكتوبر 2023 لم تكن مسألة معاداة السامية مطروحة حين يشار إلى الصين برغم وفرة الشواهد. خلافاً لذلك لطالما أشير إلى الصين بوصفها مكاناً لمحبة السامية Philosemitism. فاليهودي في الخيال الصيني الشعبي هو أذكى رجل في العالم، مجتهد، ومحب للسلام. على الأقل هذا ما تبدو عليه الادعاءات التي قدّمها يوفال واينريب، الباحث الإسرائيلي المتخصص في العلاقات الإسرائيلية-الصينية، في لقائه مع صحيفة هآرتس منتصف يونيو الماضي.   

اعتاد قادة البلدين على الحديث عن العلاقة المتينة بينهما، وبلغ الحد بنتنياهو أن قال مطلع العام 2017 أن العلاقة الصينية- الإسرائيلية زواج كُتب في السماء، كما نقلت مجلة "ذا دبلومات" في حينه. لنعُد إلى مصدر التيار، فالديانة اليهودية لا تنتمي إلى الأديان المعترف بها في الصين. كما أن لدى الصينيين سرديتهم القومية التي تضع اليهود في قائمة الأعداء الذين أدخلوا الصين في "قرن الإذلال"، كما سنوضح فيما بعد. 
الحرب على غزة، وتفاعلاتها على منصات التواصل الاجتماعي، أتاحت لمواطني إسرائيل الفرصة لرؤية الصورة التي رسمت لهم خارج أسوار الغرب، حيث يعيش 88% من سكان الأرض. الصورة القادمة من الصين دفعت 54% من مواطني إسرائيل إلى القول إنها بلاد معادية لإسرائيل أو غير صديقة لها، وفقاً للاستطلاع الذي أجراه معهد الدراسات الأمنية INSS التابع لجامعة تل أبيب في أبريل الماضي. وبحسب الاستطلاع نفسه فإن 2% فقط من الإسرائيليين قالوا إن الصين حليفة لإسرائيل. هذه البيانات لا تقرّبنا من صورة "زواج كُتب في السماء"، كما ادّعى نتنياهو.  

 تبدو الأمور أكثر تعقيداً مما تخيله واينروب، فمنذ العام 2007 يذهب الصينيون إلى منافذ بيع الكتب لشراء الكتاب المتسلسل"حروب العملة CURRENCY WARS" بأجزائه الأربعة. الكتاب الذي نال إعجاب السياسيين والحزبيين في الصين يبني نتائجه على فرضية تقول إن اليهود يملكون الثروة في أوروبا وأميركا ويتحكمون بالقارتين وفقاً لمصالحهم. السياسة الخارجية للغرب، كما السياسة المالية، ليست سوى نشاط يهودي خالص، وفقاً لصاحب الكتاب سونغ هونبينغ. يحاول الكتاب بناء أساس علمي للفرضية القائلة إن الحرب الاقتصادية الدائرة بين أميركا والصين هي في نهاية الأمر مواجهة بين الصين الشعبية والأثرياء اليهود. ثمة الكثير من المواد المقروءة والمرئية لساسة من الصين يبدون إعجابهم الجم بالكتاب شكلاً ومضموناً. 

في مواجهة إصرار الغرب على شيطنة نظام الحكم في الصين، على المستويات الأكاديمية والسياسية والحقوقية، وجد النظام الصيني في مسألة الحرب على غزة ذريعة لتفادي الهجوم، وفرصة هادئة لإعادة شرح بعض الأمور إلى شعبه. الديموقراطية الغربية، سواء تعلق الأمر بحرية التعبير أو ببنية نظام الحكم، مجرد خداع بصري. إذ إن حقيقة الأمور تبدو على شكل مختلف، فاليهود بما يملكونه من الدهاء والمال هم من يديرون كل شيء من وراء الستار، وفي نهاية المطاف فلا يتبقى من الديموقراطية سوى هياكل وهمية. تأخذ السردية الصينية هذا المنحى وتعزّزه خطابياً على المستويين الداخلي والخارجي. على الجانب الآخر، تؤكد السردية، فإن الصين بلدٌ يديره نظام وطني يدرك مصالح شعبه ويرعاها متحرّراً من نفوذ القوى العابرة للحدود. تأخذ الديموقراطية شكل حصان طراودة الذي يتيح للأغراب السيطرة على البلدان، بينما يأخذ نظام الحكم الشيوعي العلامة الكاملة بحسبانه وطنيّاً نزيهاً ولا يمكن شراؤه من قبل الأغراب. إن الديموقراطية الغربية، وفقاً لهذه السردية، هي أفضل نظام يمكن شراؤه بالمال. 

ضمن المواد الأكثر تداولاً على النسخة الصينية من السوشال ميديا هو ذلك الفيديو الذي تتحدث فيه مذيعة على قناة CCTV الرسمية قائلة "إن 6 إلى 7 من اليهود يملكون ما يزيد عن 200 من كبريات الشركات الأميركية. إنهم يمثّلون %3 فقط من سكان أميركا ولكنهم يتحكمون بما يزيد عن 70% من اقتصادها". وما إن حل السابع من أكتوبر الماضي حتى بادر محركا البحث الصينيان العملاقان علي بابا وبايدو- على نحو مؤقت- إلى شطب إسرائيل من الخريطة، لتبدو المساحة من البحر إلى النهر في صورة فلسطين.

يجادل جوش روجن في مقاله على واشنطن بوست، بتاريخ 8 يناير 2024، قائلاً إن هذا التسونامي من معاداة السامية في الصين ما كان له أن يبلغ مستوى تاريخياً إذا لم تكن السلطات الصينية هي من يرعاه ويديره. أقدم الصينيون على أمور مثيرة، منذ السابع من أكتوبر الماضي. على منصة بيلي-بيلي، أكبر منصة صينية للأفلام السينمائية، خفّض الصينيون تقييم فيلم "قائمة شندلر"، الحائز على أوسكار، من 9.7 نقطة إلى 4.3 نقطة خلال وقت قياسي. قائمة شندلر هو فيلم للمخرج اليهودي- الأميركي شبيلبيرغ، ينتمي إلى ما بات يعرف ب"سينما وأدب الهولوكوست". تدور قصته عن رجل أعمال ألماني اسمه شاندلر احتال على النازية الألمانية لإنقاذ حياة 1100 من اليهود من خلال الزج بهم كعمّال في مصانعه. من الأمور الذي  أقلقت واينريب، وهو يرصد تنامي معاداة السامية في الصين، تعليق يقول "إذا كان هناك 8 ملايين يهودي في إسرائيل فيمكننا أن نفتح مصنعاً كبيراً للصابون". وفيما يبدو فهي صورة مستوردة من الأدب الغربي الكلاسيكي حول اليهودي الذي لفرط جشعه بالدنيا ينسى أن يغتسل.

 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار