آخر الأخبار


الخميس 26 يونيو 2025
في بلاد تُكفن الحقائق وتُشيع المواقف في مقابر النفاق السياسي، لا عجب أن ينبري البعض لتزوير الدم، وأن يتحول الحديث عن "التضحيات" إلى مزاد مفتوح، يُزايد فيه كائنات طارق صالح على كل من قاوم، وصمد، وقدم روحه في سبيل الوطن لا في سبيل إعادة تدوير المشروع العائلي الذي خرب البلاد بالأمس، ويحاول تجميل صورته اليوم فوق جماجم المقاومين.
ما الذي يجري بالضبط؟ فجأة، نكتشف أن هناك من يروج لفكرة عجيبة مفادها أن "تضحيات طارق في تعز" هي الأهم، الأصدق، والأطهر، وكأن مأرب لم تقاوم، وكأن مقاومة تعز التي صمدت وحدها في وجه مليشيات الحوثي وعمه، كانت مجرد نزهة مدرسية أو مغامرة على هامش التاريخ.
بل كيف تحولت الذاكرة إلى مسخ، وكيف أُعفي المتهمون بالأمس من وزرهم، بل وتحولوا إلى أيقونات تطالبنا بالتصفيق لا الحساب؟
بل منذ متى كانت التضحية بحاجة لمندوب علاقات عامة؟
و من الذي أوكل إلى كائنات طارق مهمة تقييم الآخرين، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة يوم سقطت الجمهورية في صنعاء، ثم تفرغوا بعدها لحراسة سواحل الساحل الغربي مقابل حماية إماراتية تقيهم شر الح...وثي وتُبقيهم في معادلة النفوذ؟!
و أي تضحيات هذه التي تُكتب في مكاتب التوجيه المعنوي وتُنشر على شكل منشورات تهريجية في منصات التواصل، ثم تُفرض على الرأي العام كمسلمات لا تقبل النقاش؟
بالتأكيد الوقاحة السياسية بلغت ذروتها حين وصل الأمر بالبعض إلى اعتبار طارق "محرر تعز"، في حين أن المقاومة التي دافعت عنها عندما لم يكن أحد يُسمع صوتها، يتم التنكيل بها وتجريمها وتصويرها كحالة فوضى!
وكأننا لم نشاهد كيف حُوصرت تعز، وقُطعت عنها الإمدادات، وخذلتها الحكومة والتحالف وكل المشاريع العسكرية التي ظلت تتفرّج عليها وهي تنزف.
لكن دعونا نُجرّد هذا الخطاب من مشاعره، ونُناقش الوقائع. طارق صالح ليس جزءا من مقاومة تعز، بل لم يكن يوما من نسيجها النضالي.
جاء متأخرا، بعد أن رسمت المقاومة خارطة الصمود، فحاول أن يستنسخ دورا في مسرح لا يتقن لغته. لم يدخل إلى المدينة من بوابتها الشعبية، بل اقتحمها من خلفيات إقليمية ودولية و في اطار التحالفات السياسية والعسكرية التي لا تفهم تعز ولا تقدر دماء أبنائها. ثم أراد، ببساطة، أن يُصبح هو العنوان.
كع كع كع كع كع كع كع كع
هذا لا يعني أن نُقلّل من أي جهد عسكري أو أمني وطني يحقن الدم، أو يصد العدوان، لكن من السخف أن يُقارن مشروع طارق، بكل ما يختزنه من تاريخ أسود وانحراف في التوقيت والمبدأ، بمقاومة تشكّلت من رحم الوجع، ومن شباب اختاروا البندقية لا حبا في الحرب بل دفاعا عن مدينة تُذبح كل يوم.
والحق يقال إن تضحيات تعز ليست بحاجة لشهادات حسن سلوك من كائنات العميد. فالتاريخ يُكتب بالدم، لا بالمنشورات السياسية. والتضحية ليست ماركة مسجّلة باسم أحد، بل هي فعل نبيل، جماعي، صادق، لا يتكئ على "الريموت" ولا يُموّل من غرف العمليات الخارجية.
و، حين يتحوّل بعض المصفقين لطارق إلى صدى لآلة البروباغندا، فإننا نقول لهم: "تضحياتكم" لا تطهر التاريخ، ولا تُنسي الناس كيف سقطت الجمهورية من داخلها، ولا تمحو أن من قاوم في تعز فعل ذلك لأنه ابن الأرض، لا موظف في بنك الدم الإقليمي. فلتضحكوا على أنفسكم ما شئتم، لكن لا تتوقعوا منا أن نضحك معكم.
إمامة السّر!
موت الإله أم موت الإنسان؟
لماذا ينقسم الشارع العربي حول إيران؟