محمد مصطفى العمراني
كان يعلم أنه يصحو من نومه ويعمل أشياء لا يتذكرها، وقد يخرج من البيت ويذهب إلى مكان قريب ويعود لينام وينسى كل شيء، لكنه ما خطر بباله أنه في تلك الليلة سيصحو من نومه ويعمل عملا يصبح حديث الناس لأشهر.!
صحا من نومه وبدلا من الذهاب للحمام غادر المنزل وصعد الأكمة التي بجواره ثم عاد ودار حول المنزل كأنه حارس يتفقد كل شيء.
القرية هادئة وادعة وقمر منتصف الشهر يظهر ويختفي خلف السحب الكثيفة.
كل شيء في مكانه باستثناء الأغنام اللواتي فررن من الحوش، لم يقم بجمعهن واعادتهن إلى الحوش لكنه وجد الحمار في حوش فألتقط عصا غليظة وألهب ظهره ضربا ثم ساقه إلى شجرة السدر الكبيرة التي يربطه بها كل ليلة، ولم يكتف بربطه بالحبل بل ربطه بسلسلة حديدية قوية ثم عاد إلى المنزل، وتحسس طريقه إلى فراشه بجوار زوجته ونام.
في الصباح استيقظ مذعورا على صراخ النساء والأطفال أمام المنزل فهرع يجري ويتعثر بالأشياء حتى خرج إليهم ليجد الوحش مربوطا في مكان الحمار فهجم عليه الخوف وارتعدت فرائصه فكل الأنظار تتجه إليه فهو وحده من يخرج بالليل وهو من ربطه هناك.!
وارتبك ولم يدر كيف يفعل فسحبته زوجته إلى الداخل وقالت له:
_ أنت الذي ربطت الوحش بالليل فقد شعرت بك حين خرجت.
أجابها وهو يرتعد خوفا:
_ الوحوحوح وح وح وح وحششش.
أجابت بصرامة:
_ كن رجلا وتشجع أنت البطل الآن.
_ بط بط بط بط ططططططل.
_ أيوه أنت البطل أخرج الآن وقل للناس أنك الذي أمسك به وربطه.
_ أخ أخ أخررررججج.أنا أخرررججج.
كانت يرتعش خوفا وقد أصفر وجهه واضطربت مفاصله وتيبست لسانه من المفاجأة التي لم تكن تخطر بباله.!
هزته زوجته بعنف:
_ أنت زوجي البطل وسيد الشجعان الذي أمسك بالوحش وربطه وكأنه خروف.
وأضافت:
_ هيا إلبس ثيابك وأخرج للناس. تحرك.
_ أخخخخ لللللا لللللا.
ثم تماسك قائلا:
_ اخرجججي أنتي يا مرمرمريم وقولي لهم أننا ربططططته وأنا الآن قد سافرت.
صرخت في وجهه:
_ أخرج أنا للناس وأنت تختبئ هنا يا عيباه.!
ثم شرعت تلبسه ثيابه ليخرج وهو ما يزال يرتعد.
في تلك الأثناء تجمع الناس من كل أنحاء القرية والقرى المجاورة وشكلوا حلقة كبيرة حول الوحش، وبعضهم صعدوا إلى أسطح المنازل المجاورة يتفرجون على الوحش الذي لم يرو مثله من قبل.
كان الشيخ قد وصل وثلاثة من أولاده وقد فتحو الأمان في بنادقهم تحسبا لأي تحرك من قبل الوحش.
تحرك نحو الباب ثم تراجع فصاحت فيه زوجته:
_ أقسم بالله اذا ما خرجت وقلت لهم أنك من ربط الوحش ما أجلس لك ساعة في البيت.
ثم دفعته فخرج إليهم وهو يتحاشى النظر إلى الوحش.
صافح الشيخ وبعض الناس فسأله الشيخ:
_ كيف عملت بالوحش يا أحمد؟
وحينها بدأ يروي القصة وتحلق الناس يستمعون إليه:
_ بالليل خرجت لأتبول فوجدت الوحش قد هجم على حوش الغنم وقد أفترس عدة خراف فضربته بعضا غليظة على رأسه حتى ترنح وحينها سحبته كما أسحب الخروف إلى الشجرة وربطته بالسلسلة ورجعت أنام.
صاح الشيخ وهو يربت على كتفه:
_ الله أكبر. بطل يا أحمد. والله إنك بطل.
وحينها تشجع أحمد نشوان وشمخ برأسه وقال:
_ قد كان بدأ الوحش بالليل يقاوم لما سحبته بس أنا صفعته ملطام أبو أسد لما دوخ ثم سحبته وهو دايخ وربطته.
وهنا أطلقت زوجته زغرودة سمعها كل الناس وصفق بعض الحضور فتضاعف فرح أحمد نشوان وزاد شموخه وأخترق الجموع المتجمهرة نحو الوحش فصاح به الشيخ:
_ ماذا ستفعل يا أحمد؟!
فأجاب وهو يخاطب الشيخ ويتحاشى النظر إلى الوحش:
_ سأريك يا شيخ كيف صفعته بالليل؟!
_ ما فيش داعي يا بطل.
وركب أحمد نشوان رأسه وصمم على أن يذهب للوحش ويصفعه بينما الناس يلحون عليه بألا يفعل.
وحين أقترب أكثر من الوحش صاح الوحش بصوت مفزع فنظر أحمد نشوان إليه وتهاوى رعبا وسقط مغشيا عليه فتقدم الشيخ وأولاده وهو يصوبون بنادقهم نحو الوحش، حركوا أحمد نشوان فكانت المفاجأة الكبرى.
لقد مات.!
