الاثنين 23 يونيو 2025
النووي الإيراني : مشروع قوة تموضع عالمي أم وصفة خراب اقليمي  ‎
الساعة 10:50 مساءً
د. مصطفى الجبزي د. مصطفى الجبزي

ينبغي التفريق بين أمرين عند الحديث عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، خصوصًا في شقّها النووي.
والغرض هنا هو دفع تفكير ينطلق من قلب السياسة الدولية خارج الحصار العاطفي المفرض في اللحظة الراهنة. 
‎أولًا، إنّ مقتضيات استدامة الهيمنة تفرض السيطرة على جميع عناصرها، والعمل على تشكيل دائرة مغلقة – إلى حدٍّ ما – حول مصادر القوة، ومن أبرزها: التفوّق العسكري، وامتلاك قدرات تدميرية كبيرة، وعلى رأسها السلاح النووي.
‎ومن هنا، نلاحظ أن "النادي النووي" قد اكتمل، وتشكلت حوله دائرة شبه مغلقة، بمعزل عن أي عدالة أو شرعية في اكتساب هذه القوة، التي نُسجت في سياق تاريخي خاص، لم يكن قائمًا على معايير الإنصاف أو مبدأ تكافؤ الفرص.
‎وإغلاق هذا النادي يعكس، من جهة، رغبة القوى النووية في احتكار عناصر القوة، وبالتالي الإبقاء على الهيمنة. تتحكم أمريكا في رسم هذا المسار وتسوق حججًا سياسية وأخلاقية تصبّ في نهاية المطاف في إدامة قوى الهيمنة وكبح أي تحوّل.
‎ومن جهة أخرى، يعكس النادي المغلق تنامي الوعي بالمخاطر الكارثية لانتشار هذا السلاح. وفي هذا السياق يمكن فتح نقاش واسع، إلا أن الرأي الغالب يرى أن السلاح النووي يتطلب عناصر للحفاظ عليه، من استقرار سياسي، وعقد اجتماعي متين، وقدرات اقتصادية وتقنية، وقوة رشيدة تحرسه، لا مجرد قوة عسكرية، بل عقلًا راشدًا في اتخاذ القرار؛ كأن تكون الديمقراطية هي الحارس الأمين لهذا السلاح الفتّاك، إذ من المفترض أن تمنع المؤسسات الديمقراطية استخدامه بشكل جنوني.
‎لكن في الواقع، لا يبدو أن "الحارس الأمين" متوافر دائمًا؛ فديمقراطية إسرائيل – على سبيل المثال – ليست النموذج الأمثل لاحترام حقوق الإنسان.
‎كما أن وجود نظام سياسي بلا عقد اجتماعي متين يفسح المجال لاستخدام السلاح الفتّاك ضد الشعب. لم يتوانَ النظام السوري في استخدام الكيماوي ضد المدنيين.
‎فضلًا عن ذلك، أصبحت بعض الدول نووية لكنها عرضة لهزّات في وضعها الاقتصادي والاجتماعي، وقد تكون هذه نقاط ضعف قد تُستخدم لسحب النووي منها. ومن هذه الدول: باكستان.
‎وهنا تُطرح تساؤلات مشروعة: لماذا تُمنح دولة مثل "سين" الحق في امتلاك السلاح النووي دون أي رقابة او امتثال لمعايير البرامج النووي مثل إسرائيل تحديداً،  بينما تُحرَّم على دولة أخرى مثل "صاد" – لا تملكه – حتى مجرد السعي إليه، بل وتُفرض عليها قيود ورقابة صارمة؟
‎بالفعل، هناك ازدواجية واضحة في المعايير، أو كما يُقال: "الكيل بمكيالين"، وهذا خلل جوهري في النظام الدولي.
‎ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن النظام الإيراني تحكمه جماعة متطرفة تتحرك وفق عقيدة عدائية، تؤمن بحق امتلاك القوة، لكنها لا تؤمن بالقيود والضوابط المرتبطة بامتلاك القوة.
‎ولذلك، فإن جماعةً بهذه العقلية – إن امتلكت السلاح النووي – فمن المرجّح أن توظفه لتحقيق أهدافها، حتى وإن كان الثمن باهظًا.
‎أما الشقّ الآخر من المسألة، ثانياً مما ينبغي النظر اليه، فهو أن امتلاك إيران للسلاح النووي لم يكن – في أي لحظة – من مكتسبات الأمة، لمن ما يزال يفكر في فضاء شامل يُسمّى "الأمة الإسلامية".
‎لننظر أين وقعت معارك النظام الإيراني خارج حدوده. سنجدها في محيطه الإسلامي: أفغانستان، أذربيجان، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، ودول أخرى، كلها إسلامية.
قبل أسابيع قليلة عملت ايران على ترحيل جماعي للاجئين الافغان.  
‎بينما معارك هذا النظام مع دول غير إسلامية كانت رمزية، وتعامل فيها كعصابة، تستهدف السفارات والرعايا والدبلوماسيين.
‎بل لم يكن البرنامج النووي حتى لصالح الشعب الإيراني نفسه.
‎إيران لا تولّد من برنامجها النووي سوى ما يعادل 1٪ فقط من إجمالي إنتاجها من الكهرباء، بينما تنتج فرنسا نحو 70٪ من كهربائها من الطاقة النووية. واللافت أن إيران، رغم ثروتها الهائلة من النفط والغاز – التي تجعلها من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية – عانت في العام الماضي من انقطاعات واسعة للكهرباء، وتوقفت خدمات التدفئة، وتعطلت العملية التعليمية، وظهرت مشاكل حادة في البنية التحتية.
‎والحقيقة أن التحول إلى قوة إقليمية كبرى لا يتم فقط بامتلاك السلاح النووي، بل يتطلب بنية اقتصادية متينة، وعدالة في توزيع الثروة داخليًا، ورؤية استراتيجية للمستقبل، ومشروعًا يكرّس التهدئة، ويبثّ روح السلام داخليًا وخارجيًا.
‎فإيران، في وضعها الحالي، لا تمتلك أياً من المؤهلات التي تؤهلها لأن تصبح قوة عظمى. وهي بالكاد تُصنف كقوة إقليمية. ولهذا، فإن امتلاكها للسلاح النووي لن يؤدي إلا إلى تعظيم أدوات الهيمنة في الإقليم، لا إلى تموضع عالمي حقيقي.
‎وإذا كانت إيران قد ارتكبت هذا الكم من السلوكيات المزعزعة قبل أن تمتلك هذه القوة، فإن امتلاكها للسلاح النووي لن يزيدها إلا قدرة على التخريب والتدمير.
في الختام، استهداف أمريكا للمنشآت النووية الإيرانية يُجسّد أحد أوجه استخدام الهيمنة الأمريكية، ويمثل مغامرة في قصف منشآت دولة ذات سيادة دون تحسّب للمخاطر الناجمة. لكنه، في الوقت ذاته، قد يُنظر إليه كخطوة لتخليص المنطقة من عبء أداة تخريب فضيعة.
غير أن الوجه الآخر لهذا القصف يتمثّل في تأكيد ازدواجية المعايير، وترسيخ مكانة إسرائيل كدولة تقع خارج أي ضوابط أو معايير، سوى منطق القوة العارية المحروسة أمريكيًا.
 


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار