آخر الأخبار


الثلاثاء 13 مايو 2025
في السادس من شهر أيار/ مايو الجاري، تحررت جماعة الحوثي اليمنية من أخطر التحديات العسكرية التي مثلتها الضربات الأمريكية واسعة النطاق على مدى 52 يوما، وأثرت بعمق في بنيتها العسكرية، واستهدفت منشآت حيوية؛ كانت تدخل في صلب العمليات اللوجستية المتصلة بالنشاط العسكري للجماعة في اليمن وتلك العابرة للحدود، وأفضت إلى نتائج يُعيدُ الحوثيون تكييفها كمكتسبات سياسية وعسكرية في مواجهة استحقاق الحسم السياسي والعسكري للحرب اليمنية المستمرة منذ أحد عشر عاما.
لا أحد أكثر إدراكا لخطورة التطور في الموقف الأمريكي السياسي والعسكري والأمني في اليمن من جماعة الحوثيين، التي حازت المكانة التي هي عليها الآن نتيجة الدعم المزدوج الإيراني والأمريكي، والأخير كان حاسما لجهة الوصول السريع للجماعة إلى سدة السلطة في صنعاء، وحيازة مقدرات الدولة اليمنية بسرعة هائلة. لقد كان هذا الدعم جزءا من مخطط لإعادة احتواء ثورة التغيير في اليمن، وتحطيم حواملها السياسية وبالأخص الإسلامية منها. ولامس هذا التوجه مخاوف غير مبررة لدى دول الرفاه الخليجية؛ من تداعيات ذلك التغيير الذي لم يكن سوى محاولة من الشعب اليمني لإنهاء عهد من الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفساد المهول في ممارسة السلطة، واحتواء مخاطر الانزلاق نحو مرحلة فشل الدولة.
وبالتقاء هذه العوامل أمكن للحوثيين أن يصلوا إلى أهدافهم الثمينة في الاستحواذ على الدولة اليمنية، محمولين على الحقد الأيديولوجي لبعض الدول الإقليمية وسوء تقديرها الخطير للأمور، والدوافع المذهبية لإيران، والحسابات الأنانية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب وتأييدهما اللاهوتي الأعمى للكيان الإسرائيلي، ولا ننسى الدعم المفعم بالحماس الذي قدمته شبكة واسعة من المنظمات الأهلية والحكومية الغربية ووكالات الأمم المتحدة للحوثيين، وساهمت من خلاله في نحت صورة جميلة ومثالية لجماعة طائفية قبيحة وعنيفة.
خرج الحوثيون للتو من مواجهة عسكرية مميتة مع القوة العظمى، وسط ادعاءات بتحقيق النصر، الذي لا يعني سوى أن قادة الجماعة نجوا من الموت بسبب الجغرافيا الشاسعة المليئة بالمخابئ، في حين تُركت المنشآت والمقدرات عرضة للضربات الجوية الأمريكية، زاد من وطأتها العدوان الإسرائيلي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين إلى تدمير شبه كلي لميناء الحديدة ومطار صنعاء وتدمير مصنعي أسمنت باجل وعمران، في ما يمثل أسوأ نتائج هذا الاشتباك غير المتكافئ.
إن وقف الضربات الأمريكية على اليمن حاجة مشتركة وملحة لكلا الجانبين، الأمريكي والحوثي. فثمة حاجة ملحة للرئيس دونالد ترامب إلى القيام بجولة هادئة للمنطقة منتصف هذا الشهر، حيث يخطط لإنجازات فارقة في سياساته الخارجية، لعل من أهمها بناء شراكات جديدة تكون جزءا من حاجز الصد الأمريكي أمام القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، بالإضافة إلى صفقة لإنهاء الحرب في غزة تعد ضرورية لنجاح أمريكا ورئيسها في بناء تلك التفاهمات؛ التي لم تعد مرتبطة بشكل ملحّ بالتطبيع أو بالاتفاقات الإبراهيمية، إذ لم تعد رافعة موثوقة لبناء سلام حقيقي في المنطقة، وإلا لكان الكيان الإسرائيلي على قائمة زيارة ترامب، ناهيك عن التطورات المتصلة بتدهور العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو.
الماكينة الدبلوماسية الإقليمية تحركت سريعا لتهيئة أرضية الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب، وبدأت بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 28 نيسان/ أبريل الماضي إلى سلطنة عمان ولقائه نظيره العماني بدر البوسعيدي في الجبل الأخضر، ومنها بدأت سلطنة عمان بالتواصل مع مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، بما لديه من تفويض شامل من رئيسه، ومع ممثلي جماعة الحوثي في مسقط، التي حصلت على إشارة خضراء من إيران للنزول من الشجرة، والتوقف عن نشاطها العسكري في جنوب الأحمر، وهو الشرط الذي وضعته أمريكا في عهد الرئيس السابق جو بايدن وكان واضحا بصورة أكبر لدى الرئيس ترامب.
توقف الحوثيين عن استهداف الملاحة البحرية وبالذات السفن التي تعود لكل من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم يُبن على تحقيق الأهداف، بل جاء بطعم الاستسلام، تماما كما وصفه الرئيس ترامب. ويعود ذلك إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالتحول العكسي الخطير الذي تجاوزت معه معظم الخطوط الحمر التي كانت قد وضعتها بنفسها، في سياق موقف هدف منذ أكثر من عشر سنوات لحماية المشروع السياسي الحوثي بشكل واضح لا لبس فيه. وتجلى هذا التحول المعاكس للموقف الأمريكي في شمولية أهداف الحملة الجوية التي أطلقها ترامب، منتصف شهر آذار/ مارس، حيث بات قادة الجماعة هدفا للضربات الجوية، واتسع نطاق الضربات جغرافيا ليشمل معظم المحافظات وحتى جبهات التماس، حيث تتواجد العناصر المسلحة والآليات التابعة للجماعة في حالة جهوزية لمواصلة الحرب مع القوات الحكومية.
والأهم من ذلك أن الضربات الأمريكية طالت الموانئ اللوجستية كميناء رأس عيسى الذي تتلقى من خلاله الجماعة معظم احتياجاتها من المشتقات النفطية، مما شكل مؤشرا خطيرا على أن أمريكا جادة بالفعل في إلحاق الأذى بالوجود السياسي والعسكري والأمني للجماعة، وتقويض إمكانياتها ومواردها الاقتصادية، ليس فقط من خلال العقوبات ولكن أيضا من خلال الضربات الجوية المباشرة.
لم تنجح الضربات الأمريكية في إنهاء سلطة الحوثيين على شمال اليمن، وهذا شيء متوقع، كما لم تكن الضربات الأمريكية جزءا من جهد عسكري شامل لتقويض نفوذ الحوثيين وإعادة السلطة نفوذ السلطة الشرعية إلى الجزء الشمالي من البلاد، لكنها بالتأكيد شكلت نقطة مفصلية في مسار الحرب اليمنية، التي قد تنتهي إلى الحسم الذي يعيد الدولة إلى الشعب، أو تضع اليمن أمام خيار الشرعيات المتعددة، أو الكانتونات المتصارعة في ظل سلطة شرعية لا مخالب لها ولا نفوذ.
نقلا عن "عربي٢١"
جولة ترامب… وقمّة بغداد
كل شيء بثمنه!
المرأة العدنية: عمود النهوض في زمن التحديات
المناصب لا تخلد أحدا... لكنها تفضح الجميع!
الخارجية اليمنية... شعرة معاوية
لماذا سُمي يوم السبت؟