آخر الأخبار


الجمعة 16 مايو 2025
أيها الموت، ماذا تعرف عن الرفاق؟
هل جلست مرة في أمسية شعرية يصدح فيها ياسين البكالي بقصيدة تُربك القواميس؟
هل شاركت في نقاش فكري اشتبك فيه ياسين كيساري يحترم الإيمان لا بصفته طقوساً بل باعتباره انحيازاً للعدل والكرامة؟
وهل ضحكت حتى البكاء معه؟ أو تشاجرت معه ليقنعك في النهاية أن الحُجة وحدها هي ما يستحق الولاء؟
لا، لم تفعل.
فما الذي يعطيك الجرأة أن تمد يدك إليه؟
مات ياسين. نعم:
لكن ليس قبل أن يخلع عن العالم كل زيفه، ويقول كلمته كأنها قذيفة لا تُصيب إلا النفاق.
كان يسارياً، نعم، لا يساوم على قناعاته. لكنه لم يكن عدواً للإيمان، بل كان أقرب للمؤمنين من الذين يثرثرون باسمه. كان يرى في الله محركاً للعدالة، لا غطاء للسلطة.
وكان شاعراً لا يكتب، بل يخرب بيوت الشعراء.
شعره لم يكن جميلاً فحسب، بل مزعجاً لمن اعتادوا على الزينة دون المعنى.بل ياسين لم يكن يبحث عن المجاز بقدر ما كان يُشهر الحقيقة كخنجر في وجوه الجبناء.
كذلك ولقد كان قصيدته، وبيانه السياسي، وخطابه الأخلاقي... وموقفه من العالم.
كان صديقي ورفيقي التاريخي.
ليس لأننا تشاركنا الخبز والشاي والشتائم الموجهة للطغاة فقط، بل لأننا حلمنا بذات المدينة، بذات الشارع الذي لا يخاف فيه الناس من الشرطة أو من خطيب الجامع.
ولقد كان يؤمن أن الشعر ليس زينة، بل معول.
وأن السياسة ليست منصباً، بل موقع في الخندق الصحيح.
وكان يضحك كمن يعرف أن النهاية قريبة، لكن النكتة أقرب.
صدقوني لم يكن محسوباً على أحد، بل كان محسوباً علينا جميعاً.
على أولئك الذين لم يسعوا إلى السلطة، بل إلى أن يفتحوا شبابيك الحياة على قليل من الحلم .
كما كان ابن الهامش، لكنه سرق المركز من قلبهم، ثم أعاده إلينا، قائلاً: “خذوه، لا يليق بي”.
واذ كان حراً كما لم يكن أحد. لا تروضه جبهة، ولا تنظمه أيديولوجيا، ولا تشتريه وظيفة.
مات ياسين؟
نعم، لكننا لا نصدق. لأن بعض الأصدقاء لا يموتون تماماً، بل يتسللون إلى طريقتنا في الضحك، وفي الغضب، وفي كتابة الشعر الرديء الذي كان يسخر منه.
بالتأكيد سنشتاق لصوته، لنكاته التي تحمل نصف فكر ونصف سخرية.
سنشتاق لرأيه الذي نختلف معه ونشتاق إليه.
سنشتاق لحضوره الذي لم يكن يطلبه، لكنه يفرض نفسه.
فيا موت، يا ابن الحرام،
خذنا واحداً واحداً، لكنك لن تأخذ ياسين من ذاكرتنا.
لقد علّق قبعته على حافة الغيم، وابتسم:
وقال: "لا تبكوا، بل اكتبوا واحلموا واغضبوا "
ونحن نكتب...
له، عنه، وفي حضرته الدائمة.
الرحمة لروحك يا رفيقي... والعزاء فيك قصائد لا تموت.
صراعُ تعرَّضَ للسطو ..وباحثُ يغضُّ الطرف
هل تتحاور المدن ؟!
وداعاً ياسين البكالي.. وداعا أيها الشاعر الغزير
الحقيقة المُرّة.. ودولة المجد
لا تستصغروا اليمن ولا تسلموه للمجهول