آخر الأخبار


الخميس 15 مايو 2025
ترى يا إله العقل والمنطق، لماذا يغار الناس من المملكة العربية السعودية؟ هل لأن "نيوم" ستُبنى على أرض لم تطأها قدم الإبداع من قبل؟
أم لأن الحفلات الغنائية أصبحت أوضح من خطب الجمعة؟ أم لأن التحول صار يُقاس بعدد الروبوتات التي ترحب بك في المطار بدلاً من عدد الفتاوى التي تُنزلك إلى قعر جهنم؟
لذلك أيها الغيارى، اطمئنوا. السعودية لا تحتاج لإثبات أنها تتغير. أنتم الذين تحتاجون لإثبات أنكم ما زلتم لا تفهمون شيئاً في زمن ما بعد "التحول الوطني".
نعم: أنتم الغارقون في دراما الأوطان التي تتداعى مثل بيوت الكرتون، تريدون من السعودية أن تنتظركم حتى تنتهوا من ترتيب ملابسكم في حقيبة الفوضى. لكن لا، هي قررت أن تسبقكم، وها هي تفعل.
البعض يغار من الحفلات! يا عزيزي، الحفلة في السعودية لم تعد مجرد موسيقى، إنها مشروع سياسي وثقافي واقتصادي وعقائدي ومائي وكهربائي.
إنها إعلان رسمي أن "الترفيه" دخل في صلب السيادة.
و لقد صار الغناء كالبترول، لا غنى عنه. صار الرقص مكوناً أصيلا في معادلة البقاء. وهل هناك دليل أوضح من أن "شتاء طنطورة" صار أكثر جدية من كل مؤتمرات الجامعة العربية مجتمعة؟
ولكن صدقوني أنتم تغارون لأنهم يسمحون للنساء بقيادة السيارات، وأنتم لم تسمحوا لعقولكم بقيادة أفكارها منذ الخلافة العباسية.
تغارون لأن "الهيئة" باتت أقل حضوراً من "بودكاست ثمانية"، وتظنون أن الحياء فُقد، بينما الحقيقة أن الحياء الحقيقي هو أن لا تظل واقفاً في طابور التخلف وأنت تضحك على من قرر القفز إلى الأمام.
على إن السعودية لا تُخفي نواياها: قالت ستتغير، فتغيرت. قالت ستنفتح، فانفتحت. أنتم ماذا قلتم؟ قلتم إن التغيير خيانة، والرقص رذيلة، والسينما فتنة، ثم جلستم على أطلال قناعاتكم القديمة تبكون في صمت، بينما هم يعيدون كتابة العقد الاجتماعي على نغمة العود وأضواء الليزر.
ثم هل رأيتم مشروعا عربيا يحاول التحول من النفط إلى التكنولوجيا؟ آه نسيت اظنكم تعتقدون أنهم ضد فتوى من فتاوى الكافر إيلون ماسك.
والشاهد أن المملكة، وهي التي تعودت أن تُختزل في "الذهب الأسود"، قررت أن تُظهر ذهبها الأبيض: شبابها. هذا الجيل، الذي لا يخاف من التكنولوجيا ولا يعبد التقليد، هو استثمار السعودية الأذكى.
أما أنتم فمستثمرون في فشل المستقبل، تعقدون مؤتمرات عن الحداثة على قارعة طُرق تمارس الرقابة على الإنترنت.
لكن لنكن صادقين: السعودية لن تنجو وحدها. هي تعرف أن جيرانها إذا غرقوا فسيطفو خرابهم على سواحلها. لهذا فإنها، رغم أنها تنشد التغيير، لا تزال تمول الكائنات المليشياوية التي تمنع التغيير في اليمن. تناقض؟ نعم. وعي مرحلي؟ ربما. نفاق استراتيجي؟ محتمل جداً. لكن الأمل أن يستيقظ الضمير ذات يوم، لا ليمنع المساعدات عن اليمن، بل ليمنعها عن كارهي اليمن في اليمن.!
وللحق نقول: نحن أيضاً نريد أن نضحك. نريد حفلات، نريد "بوليفارد تعز"، نريد "شتاء عدن"، نريد من يقيم لنا مهرجان "الضحك في وجه المأساة". نريد ترفيهاً لا يعبر عن الذل، ولا يعزف نشيد الفقر المزمن.
والحق يقال حتى الفرح صار حقاً مغتصباً في بلادنا، لأن الترفيه الحقيقي يبدأ حين يكون المواطن آمناً، حراً، لا يخاف من شبح ولا حاكم كهنوتي.
والخلاصة؟ إذا كانت السعودية تغيرت فذلك لأنها قررت أن تتغير. أما أنتم، فإنكم لا تزالون تنتظرون فتاوى لتسمح لكم بتغيير ساعة الحائط. لذا، لا تغاروا من السعودية، بل اغضبوا من أنفسكم، من خمولكم، من رؤاكم التي لم تتعدى حدود المضافة.
لذلك اتركوا المملكة وشأنها، وتعلموا منها شيئاً مفيداً: الشجاعة في التحول والتقدم.
أما نحن في اليمن، فنستحق الترفيه أيضاً… ليس لأننا نشبههم، بل لأننا بشر. فقط بشر نريد أن نعيش دون أن نخجل من ضحكتنا، ودون أن نحمل جواز سفر مصاب بالاكتئاب.؟
وهكذا... بينما اختارت معظم الأنظمة الأخرى البقاء في مستنقع الماضي، تتغذى على الخطابات الفارغة والخوف من كل ما هو جديد.
لكن في الواقع، فإن مسار النجاة الذي تسلكه السعودية لا يخلو من التناقضات أو التحديات، لكنه يؤكد وجود وعي استراتيجي عميق بإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.
على إن هذا التحول لا يعني بالضرورة المثالية، ولكنه يعكس على الأقل مشروعاً قائماً على الفعل، لا على الانتظار أو التمني.
فيما ما تحتاجه الشعوب العربية، ومنها اليمن، ليس فقط أن تراقب أو تغار، بل أن تتعلم من تجارب التحول الجريء، وأن تبني على خصائصها الوطنية والثقافية طريقاً خاصاً بها نحو التقدم.
إذ لا معنى لأي ازدهار خارجي ما لم يتحول إلى إلهام داخلي. ولا معنى لأي حداثة مستوردة إن لم تنبع من قناعة ذاتية بأن الإنسان العربي يستحق أن يعيش بحرية، وكرامة، وفرح.
من هنا فإن السعودية ستنجو لأنها اختارت أن تمشي... أما نحن، فهل نزال ننتظر فتوى تسمح لنا بالركض.
بمعنى آخر لقد تحولت المملكة من بيئة كان يُستثمر فيها في خطاب الإقصاء والتكفير، إلى فضاء رحب يستثمر في الإنسان، علماً وكرامة وتمكيناً. فأن يُبتعث مئات الآلاف من المواطنين سنويا إلى أرقى الجامعات العالمية، في تخصصات جديدة مختلفة ليس مجرد إنجاز تعليمي، بل هو تأسيس لمجتمع المعرفة، وتجذير لمفاهيم الانفتاح والازدهار.
وهذا كله لم يكن ليحدث لولا وجود رؤية جذرية يقودها أمير التحديث، محمد بن سلمان، الذي لم يكتفي بإحداث تغيير داخلي، بل جعل للمملكة صوتاً وهيبةً في الساحات الدولية، تُحسب لها الحسابات وتُفتح لها الأبواب.
لنخلص إلى أنه، إذا كانت السعودية اليوم تحول الغناء إلى مشروع وطني، فإننا في اليمن نحتاج إلى تحويل الصراخ إلى حوار، والانقسام إلى مشروع مشترك، والدماء إلى فرص حياة.!
فتحي أبو النصر
رئيس تحرير منصة انزياحات الثقافية والاجتماعية والسياسية المستقلة
صراعُ تعرَّضَ للسطو ..وباحثُ يغضُّ الطرف
هل تتحاور المدن ؟!
وداعاً ياسين البكالي.. وداعا أيها الشاعر الغزير
الحقيقة المُرّة.. ودولة المجد
لا تستصغروا اليمن ولا تسلموه للمجهول