آخر الأخبار


الأحد 25 مايو 2025
وسط زحام الضجيج السياسي والعسكري الذي مزّق اليمن أرضًا وإنسانًا، بقي صوت الفنان الكبير أيوب طارش عبسي نغمة نقية، ترتفع وحدها فوق الحُطام، تحمل في نبرتها الحنين إلى يمنٍ أجمل، وتنثر الفرح في القلوب، ولو من بين الرماد.
ايوب طارش، ليس مجرد فنان، بل حالة وجدانية وطنية خالصة، لاتكاد تخلو ذاكرة يمني من صوته، ولابيت من نغماته التي تسللت بخفة ومحبة إلى القرى والجبال والمدن والسواحل، من لحج إلى صعدة، ومن تهامة إلى المهرة، غنىٰ لكل اليمن، بكل اللهجات، ولكل الحالات، غنّى للوطن، للأرض، للناس، للحب، للحزن، للبساطة، وللفرح المختبئ خلف الوجع، ولو كان لصوت الوطن نشيدٌ، فلن يكون إلا "رددي أيتها الدنيا نشيدي" بصوت أيوب طارش.
أيوب طارش لم يكن مجرد مغني أو ملحن، بل مشروع وطني، وموسوعة لحنية، دون بهرجة ولا تقليد، وهو أيضا مؤرخ عاطفي، وفيلسوف شعبي، ومُداوي لجراح الناس بالأمل.. كان صوته بمثابة البلسم في زمن العواصف، والرئة التي يتنفس منها اليمني حين تضيق عليه الحياة، كانت ألحانه برائحة الأرض والمطر، ولهجة الأم، وحزن الريف، وصهيل الذاكرة، كان جزء من تكويننا النفسي، وذاكرتنا الجماعية، وكانت أغانيه حاضرة في أعراسنا وأعيادنا، في مآسينا وأحزاننا على فراق الاحبة، كانت ترافقنا في مزارعنا ومهاجلنا وطرقات الحياة المتعبة، فتبث فينا بعض الرجاء..
ورغم هذا الإرث العظيم، وعطائه الكبير، عاش هذا الرجل؛ القامة والقيمة، حالة من التهميش المؤلم، لاتليق بمكانته ولا بتاريخه، في وقت صارت فيه الشهرة تُمنح لمن لايستحق.. لقد ظل مهمشًا في زاوية النسيان، دون أن يُكرّم بما يليق به، أو يُحتفى به كما تحتفي الشعوب الحيّة بصُنّاع فرحتها ومهندسي وجدانها، نريد ان نحتفي به حيّاً، قبل أن نبكيه ميتا، كما نفعل عادةً مع كل عظمائنا الذين لا نُدرك قيمتهم إلا بعد رحيلهم.. نريده أن يرى تكريمه بعينيه، ويسمع ثناءنا عليه بأذنيه، ونقول له بصدق: شكرًا يا أيوب، لقد غنيت لليمن فأحببناه أكثر، وغنيت لنا فحببّت فينا الحياة.
ولأن الوفاء لا يُقاس بالكلمات فقط، بل بالأفعال، فإن أقل مايمكن أن يُقدَّم لهذا الرمز الفني الكبير، هو تكريمٌ يليق بعطائه، كإطلاق اسمه مثلاً على أحد المسارح أو المعاهد الموسيقية أو القاعات الفنية في العاصمة صنعاء أو تعز أو عدن، ليكون ذلك شاهد على إرثه الفني، أو إنتاج فيلم وثائقي محترف عن سيرته ومسيرته، يشرف عليه فنانون ونقّاد موسيقيون وأدباء يمنيون، ويُعرض محليًا وعربيًا، ليُعرف الأجيال الجديدة بمن غنّى لوطنهم بصدق ونقاء، أو الدعوة من الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية اليمنية والعربية لترشيحه لنيل جوائز فنية مرموقة، تكريمًا لدوره الريادي في الفن اليمني والعربي.
أيوب طارش عبسي ليس ملك نفسه، بل ملك اليمنيين جميعًا.. وكل يوم يتأخر فيه تكريمه، هو خسارة للذوق العام، ولذاكرة وطن أنهكها الجحود والنكران.
انفجار ( صَرِف) إرهابٌ صَرْف
في ذكرى رحيل الجد الثائر والمناضل أحمد عبده ناشر العريقي
في حضرة المياحي
الصحفي محمد المياحي ومصادرة الحق في الحرية
الشرير الذي يفلق الحجر نصفين
مشكلة تعز