الخميس 8 مايو 2025
موسم الحصاد المر… لماذا وصلنا إلى هنا؟ 
الساعة 11:58 مساءً
محمد جميح محمد جميح

لم تكن إسرائيل في وضع مريح كما هي عليه اليوم، تضرب في سوريا فيصفق لها عرب، وتضرب في لبنان فيصفق لها عرب آخرون.

العرب الذي يؤيدون قصف سوريا يقولون إن الله سلط اليهود على الوهابيين والدواعش التكفيريين، من باب أن الله قد ينصر «المستضعفين» بالظالمين، والعرب الذين يصفقون لضرب لبنان يقولون إن الله سلط اليهود على ميليشيات طائفية فتكت بالدول والمجتمعات، من باب ضرب الظالمين بالظالمين.

وفي اليمن – كذلك – ضربت ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران ميناء الضبة النفطي في حضرموت عام 2022 فصفق يمنيون، للحوثي الذي «منع العدوان السعودي من سرقة نفط اليمن»، وهذا الشهر دمرت أمريكا وإسرائيل ميناءي رأس عيسى والحديدة، فصفق يمنيون، «لحرمان الحوثي من عائدات الميناءين».

ماذا جرى؟ كيف تراجع الشعور الوطني والانتماء القومي والديني والإنساني لدى قطاعات عربية واسعة، إلى الدرجة التي أصبحت القوى الدولية تضرب أنى تشاء، مع شعور بليد بعدم المبالاة، في أفضل الأحوال، أو شعور بالتشفي في أحيان كثيرة، رغم خطابات «التضامن والجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؟!

كيف فتكت الطائفية بهذا الجسد إلى درجة الشلل التام؟ ولماذا وصلنا إلى هنا؟ على حد تعبير ناصر الدين النشاشيبي؟

عوامل كثيرة بطبيعة الحال أدت إلى حال الانقسام الخطير الذي نعيشه اليوم، مع تحول الدول إلى ميليشيات، وتحلل المجتمعات إلى مكوناتها العرقية والطائفية، غير أن المرء لا يحتاج إلى كثير عناء ليدرك أنه كان للثورة الإيرانية عام 1979 أثر كبير في تفجير التوترات السنية الشيعية في بلدان عربية عدة.

لا يمكن – بطبيعة الحال – إغفال حقيقة أن السنة والشيعة كانوا يتعايشون ويتزاوجون في العراق ولبنان وغيرهما من بلدان المنطقة، ولا أن شيعة لبنان كانت مرجعيتهم «دار الفتوى» التي تجمع سنة لبنان وشيعته، ولا أن اليمنيين كانوا لا يعرفون مصطلحات «السنة والشيعة»، قبل أن تنشئ إيران الفرع اليمني من ميليشياتها الطائفية.

 

وفوق هذا، لا يمكن التغاضي عن أن شعار الحرب الإيرانية على العراق كان اجتثاث «حزب البعث العراقي الكافر» حسب فتوى المرشد الإيراني الراحل علي خميني، على عكس «شهادة الإيمان» التي مُنحتْ للحزب نفسه في سوريا، كما لا يمكن إغفال حقيقة أن «البعث المؤمن» في سوريا وقف مع «الولي الفقيه»، ضد «البعث الكافر» في العراق، لأسباب طائفية خالصة.

هذه حقائق واضحة، تكاد لوضوحها وبساطتها لا يراها كثيرون، لا يريدون أن يروا يد إيران في حالة الاستقطاب الطائفي التي تحاول طهران تزويقها بمصطلحات وشعارات مخاتلة.

 

هل يمكن ـ مثلاً ـ إغفال حقيقة أن نظام الخميني جاء إلى إيران بمبدأ «تصدير الثورة الإسلامية»؟ وأن التدخلات الإيرانية الكارثية في البلدان العربية كانت مدعومة بنصوص دستورية، مثل: «نصرة المستضعفين»، وهو المصطلح الذي كانت ترجمته على الأرض حرباً شعواء على العرب بشكل مباشر أو عن طريق الوكلاء، وتحت شعارات مثل: «حماية الشيعة والمراقد المقدسة»، أو «محو إسرائيل من الخارطة»، وغيرها من شعارات تهاوت، لتكشف أن أحلام السيطرة على المنطقة هي المحرك الرئيسي للسياسات الإيرانية، حيث لم يعد مستساغاً تسمية التدخل في شؤون الآخرين «نصرة للمستضعفين»، ولا مقبولاً نشر الفتن الطائفية تحت عنوان «تصدير الثورة الإسلامية»، ولا مبرراً إطلاق «محور المقاومة» على مليشيات طائفية.

 

إن حالة الانقسام الطائفي التي سعرتها إيران من خلال حروبها المباشرة وغير المباشرة هي التي مهدت الطريق لجرأة إسرائيل في توسيع ضرباتها من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، والتهديد باستهداف العراق، ومن ثم التفكير جدياً في تصفية القضية الفلسطينية، وضرب أية محاولة للخروج من هذه الأنفاق المظلمة التي يبدو في نهاية كل نفق منها نفق آخر.

 

وإذا كان لـ»ثورات الربيع العربي» نصيب الأسد في تمزيق الدول، فإن حالة الاحتراب الطائفي كان لها الحظ الأوفر في تمزيق المجتمعات، وهنا يبدو النظام في طهران وميليشياته التي أنشأها في المنطقة شركاء أساسيين في ما وصلنا إليه من تمزق وانهيار.

وإذا كانت نتائج سياسات النظام الإيراني كارثية على العرب، فإن سياساته على إيران لا تقل سوءاً، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، في بلد هو من بين الأغنى بالثروات الطبيعية، بعد أن استهلكت الإيرانيين طموحات نظامهم التوسعية والنووية التي يبدو أنها تتحطم، فيما يذهب النظام مرغماً للتفاوض مع الولايات المتحدة على برنامجه النووي، وهو عارٍ من أي تعاطف إقليمي، وعارٍ حتى من دعم ميليشياته التي سُمح لها بإرادة دولية أن تتوسع، وتنشر الخراب، قبل أن يتم تحجيمها، بغية إعادتها لمعركتها الحقيقية ضد محيطها العربي الذي تعيش فيه، بعيداً عن استهداف المصالح الغربية والإٍسرائيلية.

وبالمجمل، ما كان لإسرائيل أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا تلك الطائفية المقيتة التي تفتك بجسد شكلت ملامحه اتفاقية سايكس بيكو التي مضى عليها أكثر من مائة سنة، ويرى كثيرون أنه آن الأوان لتتجاوزها إلى اتفاقية أخرى، اتفاقية تهيئ طهران الأرضية لها بإشعال فتن طائفية تجني ثمارها إسرائيل، في تأكيد على تخادم المشروعين الإيراني والإسرائيلي في المنطقة العربية التي تحضر فيها مشاريع كثيرة، عدا المشروع الذي يمثل شعوبها.

يؤكد تريتا بارسي في كتابه «حلف المصالح المشتركة» أنه عندما يحك المرء سطح العداوة الشرسة بين إسرائيل وإيران فإن التجانس بين الثقافتين الإيرانية والإسرائيلية يبدو بارزا للعيان، وهما ثقافتان ـ حسب بارسي ـ يمكن أن تتعايشا معاً، لكن يستحيل تعايشهما مع الثقافة العربية.

ل«قوم يعقلون».


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار