آخر الأخبار


الخميس 19 يونيو 2025
الأصل أن المسلمين أمة واحدة
في دينها، وقرارها، ومصالحها.
لذلك، تتحرك جميع شعوبها
بحركة واحدة، وتقف لها وقفة واحدة.
فإذا تعرّض أحد شعوبها لعدوان،
تداعت له سائر الأجساد بالغوث والنصرة.
لكن،
نتيجة عهود الانحطاط، والظروف التاريخية، والمؤامرات الاستعمارية،
تفرّقت الأمة
دولًا، وقرارًا، وإرادة، وإدارة، ومصلحة.
وفي ظل هذه الحالة الغثائية للأمة،
تتداعى عليها الأعداء
كما تتداعى الغربان إلى قصعتها.
حتى
استأثمرت النعاج أرضها،
واستنسرت الغربان سماءها.
فكثرت الخناجر،
المسمومة طعنًا في ظهرها وفي صدرها،
وتعدّدت مصادرها:
صليبية، وصهيونية، وصفوية، وهنوسية، وبوذية،
إلى جانب حروب أهلية وفتن داخلية.
واشتدّت جراح الأمة:
فلسطين وأفغانستان والشيشان والبلقان،
البوسنة والهرسك، وكشمير،
ترستان الشرقية، وبورما، والمسلمون في الهند،
أفريقيا الوسطى، والصومال، وإريتريا، وأوغادين،
أرومو، الأحواز، بلوشستان، كردستان، الصحراء الغربية،
العراق، لبنان، سوريا، اليمن، السودان، ليبيا، مصر، تونس… وغيرها.
وفي ظل هذا الشلل، إذا اشتكى عضوٌ منها،
لا تتداعى الأمة كله للنصرة أو الغوث أو الإصلاح،
بل يكتفي كثيرون بالدعاء وبعض الصدقات،
وبـــ”دعم” إعلامي أو سياسي أو إغاثي
في بعض القضايا،
ومواقف عسكرية لبعض الدول، حسب مصلحتها وعلاقاتها الخاصة.
وربما
تميّزت قضية فلسطين عن غيرها
بسبب طول أمدها وظروفها التاريخية،
فتلقت اهتمامًا نسبيًا.
في ظل هذا الانهيار،
كل شعب يمدّ دفاعه عن نفسه،
ويرعى مصالحه،
مستقلًا بذاته، منفصلًا عن قرار الأمة،
يرتبط ويشيّد علاقاته بالدول والعالم
حسب قضيته ومصلحته.
هذا الانكفاء
والاستقلال الذاتي،
هو أمر طبيعي شرعًا وعقلًا،
إذا انقطع جسد الأمة عن التضامن.
وهذا أيضًا منصوص عليه شرعًا:
“لا تُكلّف إلا نفسك”.
والفقهاء يذكرون: إذا تعرّض بلدٌ لعدوان،
يبذل أهله ما في استطاعتهم للدفاع.
وإن عجزوا، فالواجب يمتدّ إلى من يليهم،
وهكذا حتى يشمل كل الأمة،
إلا من له عذر شرعي ينقذه من الواجب.
وعليه،
على كل شعبٍ اعتدي عليه
أن يدافع عن نفسه،
يبني مواقفه ويعززها
لتحقيق الانتصار على عدوه.
ولا يجوز للمسلم أن يهمل واجبه تجاه نفسه وشعبه وأرضه
لأجل قضية شعب آخر أو مصالح دولة أخرى،
إلا إذا استطاع الجمع بين الاثنين
دون التفريط بحق شعبه،
أو في إطار عمل مشترك جامع كجسد واحد.
ومن أبرز مغالطات القول والجهل:
اعتبار نظام “الولاية الفقية” والمشروع الصفوي جزءًا من الأمة،
والأغبى اعتباره مقاومًا.
واليوم،
يصدع صدى الطعن:
من الصفويين والصهاينة،
مدمّران للأمّة،
يفلان بعضهما بعضًا،
وهو انتقام من الله ونصرة لضحاياهم.
والشرع والعقل يُقرّان أن هزيمة أحدهما
أو ضعفه أو هلاكه،
يصبّ في مصلحة الأمة،
مع الإقرار بأن لا نصر يخلوا من شرّ.
والرغبة في إسقاط أحدهما تختلف باختلاف واقع الشعوب،
فاليمني يعتبر انتصار الكيان سيئًا،
والأسوأ له انتصار إيران.
أما الفلسطيني،
فهو يرى أن انتصار الكيان أشد سوءًا عليه وعلى قضيته.
وهذا الموقف طبيعي،
فكل شعب يحمي نفسه من تغوّل عدوه.
لكن الغريب والمستنكر شرعًا وأخلاقًا وإنسانيةً
هو التمييز بين دماء المسلمين،
فتقديس دم قاتل،
وتبخيس دم مقتول،
بكل أنانية واستعلاء.
ومن العبث والخِداع خطابٌ متأريني الهوى،
يجعل الأمة تقف مع العدو الصفوي،
بزعم “المصلحة الاستراتيجية”،
والتي غالبًا ما تكون رؤية مرتبطة بدولة لا تبالي بقضية الأمة—دولة “نورستان”.
وهكذا تراد رؤى حكومات وقنوات باسم “مصلحة الأمة”،
بينما الأمة محمولة ومفرقة،
بلا إدارة مشتركة، ولا إرادة متحدّة، ولا قرار موّحد،
ولا تتضافر في نصرة أو غوث فعلي.
وما أشد التهكّم والبكاء حين يأتي أحد أبناء الشعوب المنكوبة
برؤية عاجزة عن الوطنية والحمية،
يخلو من شرع، عقل، أخلاق،
فيقدّم قضيتهم ودماء شعبهم ودمار دولتهم
قربانًا لأمن دولة “نورستان”،
التي لم تولهم حتى نظرة،
ولم تحرك ساكنًا لحمايتهم.
لذا،
في ظل غياب مشروع الأمة الجامع،
فالمسلم المعتدى عليه
ليس مكلّفًا إلا بما يقدر عليه—
الدفاع عن نفسه، وطنه، وأهل أرضه،
مع البقاء في محبة وولاء لجميع المسلمين،
والدعاء لهم،
بأي نصرة يستطيع أن يقدمها
دون التفريط بواجبه تجاه نفسه وأهله وأرضه.
فهذا هو مقتضى قول الله تعالى:
﴿لا تُكلّف إلا نفسك﴾،
﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾،
﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾.
ومحبة المرء قومه وقبيلته وأهله،
ونصرهم ضد الظلم والاعتداء،
ليست عصبية مذمومة،
بل نصرة شرعية،
وقربة عظيمة إلى الله،
تجمع بين نصرة المظلوم وصلة الرحم وردع الظالم.
قال النبي ﷺ: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”.
وسُئل ﷺ: ما العصبية؟
فقال: “أن تعين قومك على الظلم”.
وسُئل كذلك: “أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟”
فأجاب: “لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومَه على الظلم”.
وفي حديث آخر: “خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم”.
وعندما غضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لذهاب الأنصار الحق،
قال: “إنما أنا امرؤ من قومي”،
وأقره النبي ﷺ.
اليمن اليوم مذبوح، مدمّر،
بأيدي إيران وذرائعها،
فمن يطالب اليمني بالوقوف مع إيران،
كمن يطالب الغزاوي بالوقوف مع الكيان.
*الأمين العام لإتحاد الرشاد اليمني
أول تعليق سعودي بعد تهديدات ترامب بضربة ساحقة لايران
بين قضيتي وأمتي
الصبر مختبر العظمة