آخر الأخبار


الاربعاء 9 يوليو 2025
في مفترق المأساة اليمنية، لا تحتاج إلى منظار دبلوماسي لترى الحقيقة. لا تحتاج إلى تقارير مراكز الدراسات ولا وثائق الاستخبارات، بل إلى ضميرك، إلى عينيك اللتين تشاهدان وطنا يُسلخ في وضح النهار، بين تحالف ضاع بوصلته، وشرعية تآكلت حتى العظم.
فلقد دخل التحالف العربي اليمن بشعار كبير: دعم الشرعية، كسر المشروع الإيراني، واستعادة الدولة. شعارات نبيلة في ظاهرها، لكنها في التنفيذ تشقلبت إلى لوحة سوريالية يليق بها متحف العبث العربي الحديث.
نعم، لولا التحالف، لكان الحوثي يلقي الخُطب من قصر المعاشيق، وميناء عدن يُصدر البارود إلى الضاحية الجنوبية. نحن لا ننكر ذلك. وتعز تمارس التطبير وشق الجيوب. على الطريقة الشيعية اللاعقلانية.
ولكن يا سادة، هل الهدف هو فقط منع وقوع اليمن تحت "الولاية الفارسية"، أم إنقاذها من الغرق الكلي؟
وهل الاستراتيجية كانت خطة تحرير أم خطة تحجير؟
بمعنى أدق تحول التحالف من جراح يريد إنقاذ المريض إلى صيدلي يصرف له مسكنات مهدئة بينما السرطان ينهش روحه.
وهاهو الح..وثي اليوم يزداد رسوخا، وهاهي الجبهات تتحول إلى خطوط تماس راكدة، وكأننا في "مناوشات بلا نهاية" بين فريقين يتدربان على الكسل العسكري.لا الحسم.
أما الشرعية، فحدث ولا حرج. سلطة تنازع ذاتها قبل أن تنازع الحوثي. شمالا حكومات منفى وحقائب سفر، وجنوبا كراسي تُجزّأ كالكعك على موائد العيد.
ف لا مشروع واضح، ولا رؤية. لا إدارة للمعركة، ولا إدارة للدولة، بل فقط إدارة للصراع على الغنائم.
بمعنى أدق كل من في السلطة اليوم يتحدث باسم "اليمن الكبير"، بينما حساباتهم البنكية تكبر، وضمائرهم تصغر.
بل لا فرق كبير بين جنرال في مأرب وتاجر نفط في حضرموت كلهم مستثمرون في حالة اللا-دولة.
فيما الشرعية تحولت إلى سوق نخاسة سياسية، يُباع فيها الولاء لمن يدفع أكثر.
وعندما يصبح الفساد هو المؤسسة الوحيدة التي تعمل بكفاءة في اليمن، فاعلم أنك أمام دولة تُدار بعقلية مقاول حرب.
إذ تُبنى الفلل في الخارج وتُهدم القرى في الداخل. تُودع الأموال في مصارف العالم، ويُترك الجندي بلا راتب منذ شهور. فكيف تُقاتل دولة لا تحترم من يُقاتل باسمها؟
ولكن أين ذهب المشروع العربي؟
طبعا ما يجري في اليمن ليس فقط مأساة يمنية، بل فضيحة عربية بصيغة الجمع.
نعم ..نحن أمام انهيار لمعنى "التحالف"، حين يتحول إلى تحالف مصالح مؤقتة، يتردد بين دعم لا يكتمل، وضغط لا يُفهم، وتدخل لا يُثمر.
أعني إنها الفوضى المدروسة... أو العجز المقنع!
فهل كان المشروع العربي هو فقط إيقاف إيران؟
حسنا، لقد توقف المد الإيراني في لحظة، لكن البديل لم يكن الدولة اليمنية بل فراغ سياسي، تملؤه الميليشيات، والعصابات، والانتهازيون.
ولقد تم إيقاف العدو الظاهر، بينما نما العدو الخفي داخل الجسد نفسه: الجهل، الفساد، والارتزاق.
وبالتأكيد من السهل أن نلوم الح..وثي، فهو العدو المعلن، صاحب العقيدة الطائفية، والسلاح الإيراني، والخطاب الرجعي.
لكن من الأصعب أن نواجه الحقيقة المؤلمة: أن من يزعم محاربته يمكنه بفساده، ويغذيه بعجزه.
فمتى كانت الشرعية طرفا نقيا في المعادلة؟
..ألم تكن طيلة السنوات الماضية جزءا من إنتاج الكارثة؟
الحل؟ ليس في الدوحة ولا في الرياض... ولا في أبو ظبي..بل في الضمير.
كذلك الحل ليس في مؤتمر دولي، ولا في اتفاق فوق الطاولة.
بل إن الحل يبدأ بسؤال: هل هناك أحد يريد حقا دولة يمنية؟ أم أن الجميع – دون استثناء – مستفيد من هذا الجمود؟
حقيقه نحتاج إلى ولادة جديدة للعقل اليمني والعربي، تعي أن دعم الشرعية لا يعني تسليم اليمن للفاسدين، وأن مواجهة إيران لا تعني تحطيم اليمنيين.
كما نحتاج إلى تحالف من أجل الإنسان، لا من أجل النفوذ. إلى شرعية تُبنى من الداخل، لا تُنقل في حقيبة دبلوماسية.
ذلك أن اليمن لا يحتاج إلى مزيد من البيانات، بل إلى رجال دولة. لا إلى اشباح، بل إلى أبطال. لا إلى مقاتلين على الورق، بل إلى مُصلحين على الأرض.
و إلا... فسيظل اليمن معضلة عربية، لا تُحل، بل تُستثمر.
أما المبعوث الأممي، فليس إلا شاعرا تائها في صحراء بلا ماء، يحمل خرائط قديمة لعالم انهار، ويتلو بيانات باردة على نار مشتعلة.
كما يتعامل مع القاتل والضحية كأنهما توأمان في رواية عبثية.
والأدهى أن الشرعية والتحالف ينحنون له كما لو كان نبي الإنقاذ، بينما هو مجرد موظف دولي يُجمل الكارثة بلغة دبلوماسية ناعمة، ويمنح القبح قناع "الحياد".
نعم
ماذا ؟
مبعوثٌ أممي؟ بل شاعر بزنسجي، يكتب تقاريره كأنها قصائد تأملية، ويبيع الوهم بلغة ناعمة. يتقن الرقص على جراح اليمنيين، ويتقاضى راتبه من عرقهم المدمّى.
ولكن لماذا لا توحد جيوش "الشرعية" في وزارة الدفاع؟!
هل لأن وحدة السلاح تعني نهاية السوق. ولأن توحيد القرار يُفلس تجار الحرب.
والشاهد أننا لا نتهرب من السؤال... بل من الجواب.
فكل فصيل يرى في البندقية سلطة، وفي الفوضى مكسبا، وفي الجيش الموحد نهاية عصر "الولاء مقابل الريال".
وماذا بعد؟ ننوح، نحلل... ثم نعود لنشاهد المأساة تُعاد بتقنية HD.
على إن اليمن يُذبح ببطء، والقاتل يرتدي ربطة عنق. والعالم؟ يكتفي بالتصفيق الناعم لمشهد دموي، تُعرض فيه "الشرعية" ككومبارس ثانوي.
وماذا عن التحالف؟
التحالف أمام العالم راع للشرعية، وأمام اليمنيين راع لمأساة مستمرة.
رفع شعار الإنقاذ، ثم جلس يراقب الغرق من مقعد درجة أولى.
ولقد تعقدت المعركة، وتبخرت الأهداف، وبقيت المجازر بلا تفسير... سوى أن التحالف صار شريكا في إدارة الأزمة، لا في حلها.
ثم..
وماذا تغير؟ انتقلنا من رئيس ونائب، إلى مجلس رئاسة ونواب، لكن المرض واحد:
الانقسام، الفساد، واللهاث وراء النفوذ.
فلماذا يختلفون؟ لأن لا مشروع يجمعهم.!
و لماذا يفسدون؟ لأن لا محاسبة تردعهم. !
ولماذا لا يوحدهم من عينهم؟ لأن التعيين بلا رؤية، والتفويض بلا إرادة... والمصلحة فوق الوطن.!
لا تقتلونا مرتين…!
لماذا لا تثورون الان بجد ؟
التوقيت المريب لظهور سلاح "حزب الله"
الحبيب الجفري يقول!
المعضلة اليمنية
ورقتان تهمان الحوثي