آخر الأخبار


الثلاثاء 8 يوليو 2025
طبعا في زمن تكسرت فيه بوصلات الحقيقة على صخرة الأكاذيب الفجة، وارتدى فيه الباطل عباءة السيادة، يخرج علينا يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم جماعة الح و..وثي، كما يخرج المهرج في مسرح العبث، ليزف إلينا "بشرى الانتصار" بعد كل قصف، و"ملحمة الردع" بعد كل هزيمة كما يتقن الحاوي خدعة اليد، لكنه حاوي الخراب، لا ساحر الإلهام."
رجلٌ يتقن فن الكذب كما يتقن الممثل دموعه في مسرحية رديئة، لكنه لا يضحك الجمهور، بل يثير شفقة التاريخ.
رجلٌ يصوغ البلاهات كما يصوغ النحات تمثالا أجوف، مدهش المظهر، لكنه فارغ المضمون.
رجلٌ يحترف تزييف المعنى كما يحترف المزور ختم الدولة، يبيع الوهم كأنه نصر، ويشتري التصفيق بثمن الوطن.
نعم..
لم يعد يحيى سريع ناطقا رسميا، بل أصبح شاعر البلاط الكهنوتي، يرقص بالكلمات فوق رماد المدن، ويؤلف قصائد النصر على وقع صافرات الإسعاف ونحيب الأمهات.
يخبرنا أن الدفاعات الجوية تصدت، بينما أطفال الحديدة يبيتون على ظلام، ونساؤها يبحثن عن قطرة ماء بين ركام الميناء.
يقول إن العدو في حالة هلع، بينما أقدامهم تُسمع في ممرات السيادة المهترئة، بلا مقاومة تُذكر، سوى من أشرطة فيديو مفبركة وصدى خُطب محفوظة.
ولكن أي فن هذا الذي يتقنه سريع؟
هل هو فن الخطابة أم فن الاستحمار؟
هل هو نبوءة أم مجرد إعادة إنتاج للغطرسة نفسها التي دمرت العراق وسوريا ولبنان من قبل؟
فرقٌ كبير بين أن تكون متحدثا باسم شعبك، وأن تكون بوقا لحاكم غيبي يرى في نفسه ظل الله على الأرض، وأن تجعل من ميكروفونك منبرا للتجهيل لا للتنوير.
و
..عندما تقصف إس..رائيل الحديدة بـ56 صاروخا دفعة واحدة، وتخرج بعدها بوجه جامد كالصخر لتقول إن "الدفاعات تصدت"، فأنت لا تتحدث، بل تمارس طقوسا سحرية من زمن ما قبل العقل.
وطبعا هذه ليست سياسة، بل شعوذة. ليست مقاومة، بل مقامرة بمصير وطن كامل.
والشاهد أن سريع لا يقرأ الأحداث، بل يفسرها على طريقة الكهنة: النصر دائما حليفنا، والعدو دائما في الرمق الأخير، والشعب دائما صامد، حتى وهو يموت جوعا ويُدفن تحت الأنقاض.
أما إذا سألته عن الكهرباء أو الرواتب أو المدارس، فسيخبرك أن "العدوان" هو السبب، وكأن دوره الوحيد هو أن يشير بإصبعه إلى الخارج، ليتجنب النظر في المرآة.
وهكذا ..
كثيرا ما يتحدث يحيى سريع عن "الردع"، والردع في قاموسه لا يعني إسقاط طائرة، بل إسقاط الحقيقة.
الردع هو أن تجعل الناس يكذبون أعينهم ويصدقون شاشاتك.
الردع هو أن ينهار الميناء وتغيب الكهرباء، ويُقال إن الانتصار قادم من صنعاء.
و الردع هو أن تخلق واقعا افتراضيا داخل العقول، بينما الواقع الحقيقي يتآكل كما تتآكل أحجار صنعاء القديمة في صمت.
على إن اللوم ليس فقط على من يتحدث، بل على من يُمنحه المنبر.
قناة "الجزيرة"،التي طالما تحدثت عن المهنية والحياد تمنح هذا الصوت المقيت كل المساحة، وكأنها تغازل الفوضى باسم الموضوعية، وتجميل القبح باسم "الرأي والرأي الآخر".
لكنها بذلك لا تنحاز، بل تسقط. لا تغطي، بل تتواطأ. فالمهنية لا تعني منح القتلة وقتا متساويا مع الضحايا، بل أن تسمي الأشياء بأسمائها.
والحق يقال، يحيى سريع هو تجسيد حي للانفصال بين القول والفعل، بين الشعارات والواقع، بين "السيادة" المزعومة و"العبودية" الحقيقية لمشروع دخيل.
بل هو الصوت العالي في زمن الصمت المذل، وحين يرتفع صوت الباطل بهذا الشكل، فاعلم أن الحق بلا ميكروفون، بلا منبر… ولكنه لا يموت.
لكن سيبقى اليمن، مهما تعاقبت عليه الوجوه، ومهما تعمقت فيه الجراح، وطنا لا تحكمه أصوات الكهنوت، بل نبض البسطاء… أولئك الذين يعرفون الفرق جيدا بين الحقيقة والتلفيق، بين الدفاع عن الوطن والمتاجرة باسمه.!
على إن هذا زمن يحيى سريع، زمن المهزلة لا الملحمة، زمن أن يصبح الكذب مهنة رسمية، والدم مهارة في فنون الإخراج السياسي.
هذا زمن "صحاف عبد الملك ال...حوثي"، فيما لا تُقاس الحقيقة بما يحدث، بل بما يُقال عنها.
أي..
تُقصف الحديدة، وتُدك الموانئ، وتُقطع أنفاس الكهرباء، ثم يخرج علينا من يخبرنا أن العدوان فشل، وأن النصر قريب، وأن الشعب بخير!
لكن لا أحد يخبرك أن اليمن يختنق… أن صنعاء تتآكل من الداخل… أن الأطفال يحلمون بضوء شمعة.
بمعنى أدق لقد تحول الوطن إلى مسرح، والدماء إلى مشهدية، والمتحدث… إلى بطل مأساة يضحك فيها الجمهور كي لا يبكوا.
و
"بيان صادر"… لازمته الشهيرة، كأنها تعويذة تُتلى قبل كل كارثة، لا ليمنعها، بل ليبررها.
فلا جديد سوى الرقم، أما الموت فقديم ومألوف.
وفي كل مرة يتحدث، يموت وطنٌ آخر… ويولد كذبٌ جديد على لسان لا يخجل.
و
"بياااان صادر"... حتى الأطفال في شوارع صنعاء باتوا يقلدونه بسخرية، لا لأنهم يفهمون السياسة، بل لأن الكذب أصبح مألوفا، ونبرة الصوت محفوظة، والتكرار ممجوج.
وحين يصبح الناطق مادة للتندر، فاعلم أن هيبة الكذبة ماتت،!
محادثة مع الشيخ صالح حنتوس
أليسوا على خطى مقبل الوادعي وربما أكثر ؟
العزيمة عبادة..
لا تكذبوا على أنفسكم…
جهد صالح حنتوس
الوريث الشرعي للدين: شركة آل البيت المساهمة المحدودة